كانت الساعة تشير إلى تمام الثانية زوالا عندما حللنا بمدينة ثنية الحد بتيسمسيلت وتحديدا بمسكن عائلة – شهبار - المكلومة بجراح فراق ابنها بوتشنت الذي رحل دون سابق إنذار وبلا وداع إلى دار الخلود عن عمر يناهز 56 سنة بعد أن وضعت طعنات خنجر قاتلة حدا لحياته تاركا وراءه أسرة تتكون من 11 فردا - الأبناء والأحفاد والوالدين - ، وعقب قيامنا بتقديم التعازي القلبية في المصاب الجلل الذي ألم بالعائلة أفصحنا للتو عن هويتنا ورحنا نسأل عن حيثيات وخلفيات ما جرى في ذلك المشهد الدامي الذي اهتزت له مشاعر كل من سمع به وقرأ نبأه فكان أول مجيب شقيق المرحوم الذي لم يفقد كنز الصبر على مشيئة الله وقدره الذي امتلكه طيلة حديثه إلينا ، قائلا بأن أخاه عاش بسيطا ومات بسيطا ، قضى شبابه في الدفاع عن الوطن ومات مدافعا أيضا عن الحقرة والظلم بعد أن دفعته سخونة دم شهامته ونخوته إلى إنقاذ شابة من الموت وقعت بين مخالب معتوه لم يتوان في وضع حد لحياتها هي الأخرى ، وبشيء من التفصيل يواصل بالقول لنا أن بوتشنت الذي انخرط في صفوف الجيش الوطني الشعبي نهاية السبعينيات قبل أن يحال على التقاعد بداية التسعينات كان عائدا إلى مسكنه وعلى كتفه – شكارة سميد – كان اقتناؤها محل طلب من زوجته ، وبالقرب من محطة نقل المسافرين المحاذية للطريق الوطني رقم 14 الرابط مابين تيسمسيلت والجزائر العاصمة ، وبمجرد أن لمحت عيناه وسمعت أذناه صرخات الشابة غنية وهي تستعجل نجدتها و تخليصها من الموت سارع إلى إنقاذها ، إلا أن الموت كان أسرع من القيام بمهمته الدفاعية بعدما استقبل قفصه الصدري طعنة قاتلة وجهها له القاتل بواسطة سكين من الحجم الكبير أو كما يسمى باللهجة المحلية – بوشية – أسقطته أرضا مضرجا بالدماء ، وفي هذه الأثناء يقاطع نجل عمي بوتشنت – بوعلام – حديث عمّه هكذا كان أبي يكره الحقرة ويمقت مفهومها، ويواصل الكلام تحت هطل الدموع المنبعثة من مقلتي عينيه، كانت أمنية أبي أن يراني أنا وابني و زوجتي نحتمي تحت سقف مسكن لم يسعفن الحظ في الاستفادة منه من خلال عدم ركوب اسمي على ظهر القائمة التي أفرجت عنها لجنة الدائرة قبل يومين جعل من الحزن والحسرة يستوطنان بداخل نفس والدي يقول بوعلام الذي تم حذف اسمه من القائمة السابقة المفرج عنها عام 2012 بحجة أن زوجته عاملة في قطاع التربية ، على الرغم من الوعود التي تلقاها من قبل بعض المسؤولين بتمكينه من - قبر الدنيا - ، وقبل رحيلنا من ساحة العزاء تقدّم منا والد الضحية عبد القادر وهو شيخ في السادسة والثمانين من العمر ، وبجسد أنهكته متاعب وآلام الحياة و بشفتين متثاقلتين عن الكلام جادت قريحته بالقول – النيف – هو من انتزع الحياة من ابني في إشارة منه إلى غيرته على مشهد الشابة الفقيدة وهي تصارع الموت ، لنغادر مسكن شهبار الذي كان يرسل موسيقاه الجنائزية ونقف عند مدخل منزل عائلة – صحراوي – المفجوعة برحيل ابنتها – غنية – التي رتّب لها القدر المشؤوم لحظة مأساة أجلها والتحاقها بجوار بارئها عن عمر يناهز 32 ربيعا ، وعن موتها الذي لا يجرؤ حتى القلم أن يكتب أو يخط له رثاءا يقول شقيقها الأكبر – داود – لقد صادر القاتل المحسوب على فصيلة المرفوع عنهم القلم كونه يعاني من اضطرابات نفسية حلم شقيقتي في الدخول إلى عش الزوجية الذي لم تكن تفصلها عن عتبته سوى أياما معدودات ، فقد كانت ترتيبات زفافها على وشك الانتهاء إلا أن الجاني لم يترك لها أية فرصة لتحظى وتزهى بالعرس الذي حلمت به وبدلا من أن تزف وتستوطن داخل القفص الذهبي وترتدي الفستان الأبيض لبست الكفن الأبيض وتستقر إلى الأبد في مثواها الأخير ، هكذا كانت مقدمة داود التي تبعها حديثا مقتضبا عن ظروف اغتيال شقيقته التي قال أن القاتل وبمجرد مغادرتها للمنزل باتجاه مقر عملها بإحدى المدارس الابتدائية بعد تناولها وجبة الغذاء برفقة والدتها غرس في جسدها البريء البوشية حتى استنفذت آخر قطرات دمها دون أن ترتجف أو تتحرك فيه ذرة واحدة من الإنسانية تمنعه من ارتكاب هذا الإثم لا لشيئ سوى أن رحلتها تزامنت مع تناثر وتساقط شحنات هيجان و- هبال - الجاني لتستقر عندها وتزهق روحها الطاهرة ويعزف بعدها ناقوس الحياة لحن الرحيل إلى الأبد مبكرا.