أعادت التصريحات المتضاربة لكثير من الشخصيات والأحزاب السياسية مؤخرا إلى الواجهة مسألة خطيرة تتعلق بموضوع الأخلاق وعلاقتها بالسياسة، ليس من منظور فلسفي كما يبدو اتجاه الموضوع للوهلة الأولى، ولكن من جانب مدى التزام العمل السياسي بمبادئ أخلاقية تستمد أركانها من قيم المجتمع الفكرية والحضارية لتحقيق أهدافه السامية التي تكون بدورها في خدمة الصالح العام للبلاد والمواطن، وأطلق متتبعون وأساتذة دعوة (عاجلة) إلى (أخلقة الحياة السياسية)، ورفع مستوى الأداء السياسي، والترفع عن الشتائم التي لا تليق ب(الملعب السياسي). واذا كان (العلم بلا روح خراب العقول والسياسة بلا أخلاق خراب للأمم) كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي فإن الساحة السياسية عندنا أصبحت تموج بكثير من الوجوه والأسماء التي تفضل أن تسير وفق نظرية ميكيافيل الذي اقر أن غاية رجل السياسة تبرر كل الوسائل التي يمكن ان يتاح له استعمالها، وبذلك تصبح السياسة فمن الممكن الذي يتجاوز كل الأطر الأخلاقية والمبادئ الاجتماعية لتحقيق أهدافها، وهو ما قد يجر على محيطها ومجتمعها ويلات لا يمكن التحكم في نتائجها. نقول هذا ونحن نرى كل يوم وصلات من السب والشتم والضرب تحت الحزام التي أصبح يستعملها كثير من السياسيين في الجزائر من اجل تحقيق اهداف وتبليغ رسائل لخصومهم، ليرد هؤلاء بكلمات وتصرفات مماثلة تنتفي معها كل قيم الاخلاق ومبادئ المجتمع، حيت أصبحنا نسمع يوميا كلمات مثل (الشياتين"الطبالين) المعتوهين (الجرذان، الخونة)!، بل وصل الامر بأحدهم إلى سب آباء الجزائريين اللذين يعارضونه، ناهيك عن العبارات العنصرية والجهوية، كل ذلك من اجل التعبير عن الاختلاف في الرأي الذي يعد أساس فكرة الديمقراطية وجوهر أخلاقياتها التي يدعيها كل فريق ويجعل منها ليلاه المعشوقة.. وإن دلت هذه التصرفات على شيء فإنما ستدل على ضعف المستوى الفكري والثقافي والحضاري لهؤلاء الأشخاص، وجهلهم بأدنى مبادئ الديموقراطية، وافتقادهم لوسائل الاقناع العقلي والفكري، وبالتالي محاولة الاختباء وراء ممارسات وعبارات جوفاء لمداعبة الفئات الشعوبية واللعب على أوتار الفئات الهشة التي تستعمل هذه اللغة الممجوجة البعيدة عن الاخلاق والسلوكيات المتحضرة، ان الدخول اللعبة الديمقراطية ينبغي أن يقوم على احترام أدنى مبادئها الأساسية المتمثلة في حرية الاختلاف وحق التعبير واحترام الرأي الآخر، والمنافسة الشريفة عن طريق الاقناع والحوار بالتي هي أحسن وفق مبادئ المجتمع الذي ينطلق منه هذا النقاش والتنافس السياسي، وبالتالى إعطاء صورة حضارية للمجتمع عن السياسيين اللذين يفترض بهم أن يكونوا نموذجا للنخبة الفكرية والسياسية التي تسعى لتمثيل المجتمع والتعبير عن واقعه ومتطلباته السياسية والفكرية والاجتماعية والإنسانية. وعلى العكس من ذلك فإن التمادي في الاعتماد على الأساليب الغوغائية التي لا تعتمد على أي خطاب فكري او عقلاني يحترم أخلاقيات العمل السياسي، ويقوم على برامج سياسية هادفة وقوية لخدمة الجماهير وتحقيق أهدافها بطرق أخلاقية وإنسانية وبوسائل واضحة وناجعة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح وتزع الخيبة عوض الأمل والفوضى بدل الاستقرار، لأن الجماهير أصبحت واعية بكل تفاصيل البرامج والأشخاص، من خلال تنوع وسائل الاتصال الجديدة التي أصبحت تقوم بوظائف الحوار والنقاش والتحليل بالصوت والصورة، ولم يعد بالإمكان تزييف أي حقيقة او تقديم أي معلومة دون تمحيص لها، فضلا عن التطور الاجتماعي الذي اصبح يعتمد على الحقائق الملموسة ويتجاهل الشعارات الفرغة والاتجاهات التي لا تتلاءم مع أفكاره ومعتقداته. إن الحل يكمن في أخلقة العمل السياسي وربط مقوماته بمبادئ أخلاقية لا تقوم على الصدق والأمانة والحق والعدل فقط ولكن أكثر من ذلك موائمة الوسائل والأساليب النظيفة والأفكار النزيهة من اجل تحقيق الغايات النبيلة والعظيمة، فمهما عظمت الغايات ينبغي أن تقوم على أساس صلب يضمن بقاءها ويستمد بناؤه من مبادئ واخلاقيات المجتمع الذي يقوم فيه، بعيدا عن نظرية الغاية تبرر الوسيلة التي تؤدي في النهاية إلى تشويه الهدف والهزيمة لأصحابه. الأستاذ عبد العالي رزاقي: "ينبغي عدم تجاوز الخطوط الحمراء" شدد عبد العالي رزاقي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر على ضرورة احترام أخلاقيات المهنة سواء تعلق الأمر في الصحافة المكتوبة أو السمعي البصري لأن ما يجري من تجاوزات والتجريح بالآخرين خطير جدا. كما أكد الأستاذ رزاقي في تصريح ل(أخبار اليوم) بضرورة وجود لجنة خاصة بالإنتخابات تنظر في القضايا التي تمس بشخص كل مترشح، مشيرا الى القنوات الفضائية الجزائرية التي تستضيف شخصيات (تتناحر سياسيا)، حيث يفترض، حسب رزاقي، وجود اتفاق بين الطريفين قبل البدء في الحديث يقضي بعدم اللجوء كل منهما الى الإهانة بالآخر. وأضاف محدثنا أن هناك ألفاظا ليست جارحة تحاول إرضاء الجمهور وهناك ألفاظ جارحة تمس شخصا معينا، معتبرا أن الأخير هو الخطر وخط أحمر لا يمكن تجاوزه. الأستاذ الحاج تيطاوي: "لا للمساس بأعراض الناس" انتقد تيطاوي الحاج عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة خميس مليانة كل من يستعمل ألفاظا يمكن أن تجرح بالآخرين، معتبرا إياها عملية سياسية خاضعة في نهاية المطاف الى مدونة سياسية ولايمكن المساس بأعراض الناس، وأضاف ذات المتحدث أنه وجب وجود هيئة تأطر العملية الانتخابية وتراقب الانتخابات والتي تحح بجواز استعمال الألفاظ اذا كانت مهنية أوغير مهنية، كما اعتبر أن الكلمات التي تخص شخصا معينا فهي أقل حرجا أما التي تخص منطقة معينة أو سب معتقد أو شريحة معينة فهي المرفوضة، داعيا المتنافسين في العملية الانتخابية أن يرفعوا من مستوى النقاش الى مايضبط بين الحرية والمسؤولية، مؤكدا في حديثه أن الكلام خاصة الذي يدور في وسائل الإعلام يسمعه الشعب الجزائري، معتبرا إياه كلام شارع ومقاهي الذي أصبح علنا في التلفزة، مرجعا الأمر الى احترافية الصحفي الذي وجب عليه تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه.