بقلم: صبحي حديدي ليس أمراً مألوفاً إذْ أنه يندر أن يحدث كلّ يوم أو أسبوع أو حتى شهر أن تشارك صحيفة نيويورك تايمز في كشف ما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من فظائع وجرائم حرب. وبالتالي يمكن أن يُعدّ ضمن هذه النوادر التقرير المسهب غير الوجيز لأنه وقع في أكثر من 1100 كلمة حول فيديو اغتيال المسعفين الفلسطينيين في غزّة وشارك في كتابته فرناز فصيحي رئيسة مكتب الصحيفة في مقرّ الأممالمتحدة وكريستوف كوتي من قسم التحقيقات المرئية. شهادة ال نيويورك تايمز قد لا تُصنّف تحت المقولة الشهيرة التي تصف شاهداً من أهلها ولكنها يمكن أن تُقرأ في مستويات تأويل شتى غير معتادة من هذه الصحيفة تحديداً أو من أيّ وسيلة إعلام أمريكية كبرى عريقة لا يُشكّ في ولائها لدولة الاحتلال على طول الخطّ كما يُقال عشوائياً غالباً. محتويات الفيديو باتت معروفة الآن ولا تنكرها إلا آذان صماء عن سابق قصد وأعين متعامية. لافت إلى هذا أنّ تقرير الصحيفة الأمريكية يسترجع الرواية الكاذبة التي سردها الضابط الإسرائيلي نداف شوشاني: أنّ جيش الاحتلال لم يهاجم سيارات الإسعاف عشوائياً وأنّ مركبات عديدة تقدمت على نحو مشبوه نحو القوات الإسرائيلية من دون أضواء أمامية أو إشارات طوارئ الأمر الذي يكذّبه شريط الفيديو جملة وتفصيلاً بالطبع. كذلك كان رفض جيش الاحتلال طلباً من ال نيويورك تايمز للتعليق على الفيديو بمثابة إقرار بالكذبة التالية: أنّ ثمانية من المسعفين الضحايا كانوا مقاتلين. ومع ذلك ولحفظ قسط من الكرامة المهنية للصحيفة وللفريق الذي شارك اثنان من صحافييها في إعداد التقرير في الوسع الاتكاء على مقولة قديمة بدورها: لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً في تسعة أعشار (كي لا يذهب المرء إلى جميع) جرائم الحرب الإسرائيلية في الماضي والحاضر وربما المستقبل أيضاً. وليس في غالبية وسائل الإعلام الغربية في الولاياتالمتحدة وأوروبا خصيصاً فحسب بل على نطاق شبه دولي يشمل الكثير من وسائل إعلام أنظمة التطبيع العربية. وفي المقابل للمرء أن يحدّث بلا حرج عن هوّة أخرى في الكذب والخداع والتلفيق والكيل بمكيالين تدفع شرائح إسرائيلية لمناصرة مجرم حرب يترأس جهاز الشاباك لأنّ رئيسه مجرم الحرب بدوره اعتزم الإطاحة به أو تنتصر للمستشارة القضائية في حكومة بنيامين نتنياهو وكأنها ليست عاملة في مجموعة الحكم الأشدّ يمينية وفاشية على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني. أو كأنّ جرائم إرهاب الدولة تقتصر على جيش الاحتلال ولا تشارك فيها أو حتى تفوقها وحشية وهمجية قطعانُ المستوطنين وغلاة المتدينين وحُماة منظومات الأبارتيد الأقذر والأبعد إيغالاً في العنصرية والترهيب وجرائم الحرب. لم ينصرم زمن بعيد على واحدة من أبشع نماذج البربرية الإسرائيلية حين قُتل الطفل الرضيع علي الدوابشة حرقاً ثمّ قضى والده متأثراً بجراحه بأيدي زمرة من المستوطنين المنتمين إلى جماعات إرهابية متدينة متشددة. كذلك لم يمرّ زمن طويل على التصفية الجسدية بدم بارد وإجرام احترافي للطفلة الفلسطينية إيمان الهمص (13 سنة) التي سقطت أرضاً جراء طلقة من نقطة مراقبة عسكرية إسرائيلية وجُرحت فقط فتقدّم نحوها الضابط الإسرائيلي قائد الفصيل وأطلق طلقتين على رأسها من مدى قريب ثمّ عاد من جديد فغيّر سلاحه إلى التلقيم الآلي وأفرغ كامل الذخيرة في جسد الطفلة. وكما وجدت قيادة الجيش الإسرائيلي ذلك الضابط المجرم بريئاً من أيّ اتهام كذلك تجد اليوم أنّ تصفية المسعفين الفلسطينيين كانت خطأ هؤلاء الضحايا أنفسهم وليست جريمة ارتكبها القتلة الإسرائيليون. وفي كلّ حال يستوي أن يشهد أو لا يشهد أحد من أنصار المجرم أو أهله.