بقلم: الدكتور عبد الرزاق فسّوم تحت عنوان (خطاب إلى الرئيس المُنتخب)، وجّه رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ الدكتور عبد الرزاق فسّوم رسالة إلى رئيس الجمهورية القادم للجزائريين الذي ستفرزه انتخابات الخميس، وفيما يلي النص الكامل (للخطاب): أعناق الجزائريين، بمختلف طول قاماتها وقصرها، مشرئبّة، هذه الأيّام، متطّلعة إلى فجر اليوم الموعود، يوم الشاهد والمشهود، يوم 18 أفريل 2014م. فالجزائريون على موعد حاسم في هذا اليوم لصنع الغد الأفضل واختيار الرئيس الأمثل وإحداث التغيير الأكمل. ففي هذا اليوم ستبيّض وجوه وتسوّد وجوه، ولا ندري أيّ نوع من الوجوه ستبيّض ولا أيّ نوع من الوجوه ستسودّ، إن حكم التاريخ العادل هو الذي سيفصل في هذا الاختيار. وأيًّا كان حكم التاريخ فإن عيون العالم ستظلّ عالقة بالجزائريين لترى ما نحن فاعلون بوطننا وصانعون بحكمنا ومنجزون لشعبنا. إن هذا الموعد المصيري لا يتحقّق إلاّ كلّ خمس سنوات، وإنها للفرصة السانحة ليدخل الشعب الجزائري عتبة التاريخ من أوسع أبوابه. فكم من الأعداء بنا يتربّصون؟ وكم من الأشقّاء علينا يراهنون؟ وكم من الأصدقاء لنا يحسدون؟ لقد ظهرت التحدّيات في البرّ والبحر والجوّ وأحاط بنا الفساد والإفساد من كلّ جانب، فهذا سلاح الرشاشات والمتفجّرات وتلك آفات العنف والمخدّرات إلى جانب الفتن الطائفية والمذهبية وشتّى المؤامرات. إن الرئيس المقبل، الرئيس المنتخب (س) يوم 18 أفريل، سيكون في موقف الاستجابة الكبرى لتحدٍّ أكبر، ومن ثمّ فهو مُطالَب بالكثير من المواصفات والمؤهّلات، وحقّ لنا أن نرسل إليه بألوان من الخطابات، وأن نستقبله بالنّصح والموعظة والأقوال الصالحات. فيا سيّدي الرئيس المُفترَض، أيًّا كان لونك وأيًّا كانت قناعتك ومهما تكن خططك وبرامجك رجاء اسمع إلى همساتنا، فلا خير فينا إن لم نبح بها ولا خير فيك إن لم تسمعها، وأهمّ هذه الهمسات (من وجهة نظرنا) ما يلي: 1- نتمنّى أن يكون انتخابك صادرا عن إرادة شعبية، لا مراء فيها ولا تزوير، كي تكون الحاكم القدير الذي يستمدّ شرعيته من إرادة اللّه ومن إرادة الشعب، فتقدّم للعالمين درسا مغايرا لما تعوّدوه عنّا، فيتعاملون معك، سيّدي الرئيس، ومعنا بكلّ الاحترام المستحقّ للحاكم والمحكوم. 2- إنّك يا -سيّدي الرئيس- يجب أن تُدرك بأنّك مُقبل على شعب مهيض الجناح مُثخن بالجراح، مُكبَّل بالعقد والأتراح، وواجبك أن تُضمِّد جراحه، وأن تُزيل أتراحه، وأن تُضاعف أفراحه، وأن تَفكّ عقده وتُطلق سراحه. إنّك ستصطدم بشعب مضعضع الانتماء، فتبدأ بترميم ثقب ذاكرته التاريخية وإصلاح لغته المرقّعة، المتهرّية، وأن تعيده إلى ذاته الأصيلة، ذاته العربية الإسلامية. 3- إنك ستكتشف -يا سيّدي الرئيس- أن هناك أشواكا في طريقك تؤذيك وتؤذي السالكين المخلصين من شعبك، فاِقتلع جذورها واِزرع بدلها ورودا وأزهارا ورياحينَ من نبتة وطنك وتربة أرضك وماء معدنك، ولن تتمكّن من ذلك إلاّ بإحاطتك بالبطانة الناصحة والمنهجية الناجحة والعدالة الفالحة والإدارة الصالحة. 4- في بلادنا -يا سيّدي الرئيس- مفارقات عجيبة فاقتصادها، على حدّ تعبير المفكّر الإنجليزي (برنارد شو) يعاني غزارة في الإنتاج مع سوء التوزيع. ولو أتيح لخيرات بلادنا حكّام صالحون لجعلوا من الجزائرالمدينة الفاضلة التي رسم معالمها المفكّرون من أمثال الفارابي وابن باديس والإبراهيمي وغيرهم. لكن يؤلمنا أن نذكِّرك يا سيّدي الرئيس بأن أموال الجزائر صارت في أيدي طغمة فاسدة مفسدة، يجب الضرب على أيديها بالعدل وتقديم الطريق الأمثل لها ولأمثالها، بالقدوة الحسنة وبالقول والفعل. 5- أنت مدعو -يا سيّدي الرئيس- إلى أن تعيد النّظر في هذه المنهجية السياسية المتوحّشة التي لا تراعي إلاًّ ولا ذمّة في الوطنية والوطنيين، فتعيد خارطة الحرّية السياسية على أساس الوطنية الصادقة والكفاءة الثقافية الشاهدة والنزاهة الخلقية الثابتة. إن الأمانة السياسية حمل ثقيل، مثله مثل الأمانة الدينية، والأمانة العلمية وليس بمتاح أن يتولاّها إلاّ من يملك المؤهّل الحقيقي لذلك لأنها مسؤولية جماعية، إذ أخطأ المسؤول فيها انعكس خطأه على المجتمع بأكمله. 6- وأخيرا، يا سيّدي الرئيس المنتخب، لقد أصبحت في موقف يجب أن ينأى بك عن كلّ أنواع الحقد والضغينة ويترفّع عن كلّ ألوان الانتقام والرذيلة، فالجزائر وطن الجميع ويجب أن لا يُقصى منها إلاّ من أبى، فليتعاون على تشييدها وبنائها الجميع وتذكّر أنها لو دامت لغيرك ما آلت إليك. إننا نتوق مثلك ومثل كلّ المخلصين من أبناء الجزائر إلى أن عهدا جديدا يجب أن يبزغ على الجزائر، تستعيد فيه عافيتها وتصدر فيها عفوها وتعيد الأمل إلى كلّ بائس أو يائس، من مستقبل الوطن. كفى الجزائري ما عانى من بأس وبؤس، وفي بلاده من الطاقات والخيرات ما يحقّق الأمل ويدعو إلى العمل. وأيًّا كان الناجح -بحقّ الانتخاب- دون تبذير للطاقات أو تزوير للإرادات فهو ابن الجزائر الذي ندعو اللّه له بالثبات وحسن النيّات ليسير على الصالح من المبادئ وحسن الخيارات.