بقلم: فهمي هويدي كتب فهمي هويدي: من شك فليس منا.. فرئيس مصر القادم معروف ومحسوم أمره، ومن يقل بغير ذلك فليس من أهل مصر، وفي مستهل حملته الانتخابية -في الأسبوع الماضي- فإنه خاطب الرأي العام من عدة منابر، كان أبرزها حواره التليفزيوني الذي أذيع يومي الأحد والإثنين 4 و5 ماي، وأجراه معه الأستاذ إبراهيم عيسى والسيدة لميس الحديدي، ثم كان لقاؤه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية الذي تم يوم 7 /5. وإذ استمر اللقاءان نحو عشر ساعات، فإن الأول تعرض للمراجعة، في حين أن الثاني عرضته بعض الصحف على مسؤولية رؤساء تحريرها، وإذ شاهدت الحلقتين واعتمدت على ما نشرته جريدتا (الأهرام) و(الشروق) يوم 8/5، فقد لاحظت أن التركيز كان قويا والحماس بدا شديدا للأفكار والآراء التي عبر عنها المشير عبدالفتاح السيسي.. وهو ما يسوغ لي أن أقول إن ما نشر من أصداء وانطباعات انصب على الجزء الملآن من الكوب، إذا جاز التعبير، أما الشق الآخر المتبقي من الكوب فقد سكتت عليه الأغلبية الساحقة. في حين أن الرئيس القادم والمجتمع كله من مصلحته أن يقف على ما يمكن أن نسميه ثغرات أو نواقص في خطابه، لأن ذلك يساند على إيجابياته ويعزز من رصيد الثقة فيه. وإذ وجدت أن ثمة قراءتين للكلام الذي صدر عن المشير السيسي، ولإدراكي أنه بحاجة إلى النقد بأكثر من حاجته إلى المديح والإطراء، فقد آثرت أن أضع له العنوان أعلاه، لتبيان الخطوط ورفع الالتباس والعتب، وقد اقتبسته مما كتبه اثنان من كبار أهل العلم في التاريخ المصري، هما ابن حجر العسقلاني المتوفى في القرن التاسع الهجري، صاحب كتاب (رفع الإصر عن قضاة مصر)، وأبو المحاسن يوسف المغربي- المتوفى في القرن الحادي عشر الهجري ومؤلف كتاب (رفع الإصر في كلام أهل مصر). النقطة الأخرى التي أود تسجيلها قبل الدخول في الموضوع هي أن ملاحظاتي كلها تنحصر في الشق السياسي لكلام المشير السيسي. ورغم إدراكي للأهمية البالغة للشق الاقتصادي إلا أنني سأتركه لأهله الذين لا شك في أن لهم انطباعات وتخيلات أهم مما يمكن أن يصدر عني، خصوصا أن ثمة ثغرات واضحة في رؤيته لذلك الجانب، يلاحظها (هاو) مثلي، فما بالك بالخبراء المتخصصين؟ ثمة ملاحظة تمهيدية ثالثة تصورت أنه مفروغ منها، لكنني فضلت إيرادها أخذا بالأحوط، ذلك أنني أتمنى أن نقيم مسافة عازلة بين الشخص والموضوع، بحيث لا يعد نقد الموضوع قدحا في الشخص أو إقلالا من شأنه، وذلك بعض ما تعلمناه في مناهج البحث عند الأقدمين. حين كان الواحد من طلاب العلم يمتدح رفيقه أو شيخه ويسجل مناقبه، ثم يضيف قائلا بعد ذلك إن كلامه ليس عندي بشيء.. ومن ثم فقد استقرت في محيط أهل العلم الرؤية التي تعتبر أن هدم الفكرة لا يعنى هدم صاحبها باعتباره بشرا يخطئ ويصيب، وهو ما لجأت إليه كتب (الرجال) التي ظلت تحتفظ لهم بأقدارهم العملية وتفصل بينها وبين خصالهم ولا أعرف كيف يمكن أن نروج لتلك القيمة الشخصية بين أهل السياسة خصوصا في أجواء الهرج والاستقطاب السائدة في مصر، التي أصبح هدم الأشخاص وتجريحهم في ظلها مقدما على هدم الأفكار. ذلك أن الأولى يجيدها كل أحد، أما الثانية فتتطلب معرفة وأدبا وغير ذلك من الصفات التي باتت نادرة في المحيط الإعلامي فضلا عن المجال العام. لدى ملاحظتان أساسيتان على لغة المشير السيسي وخطابه في الحوار التليفزيوني أو لقائه مع رؤساء التحرير هما: * أن الجنرال كان حضوره أقوى من الرئيس والمرشح الرئاسي، وأن تغيير الثياب وارتداء البدلة الأنيقة كان أمرا ظاهريا فقط، لأن طريقة التفكير لم تتغير.. وهو أمر لا غرابة فيه، لأن خدمة 45 عاما في السلك العسكري لا تطوى صفحتها خلال أشهر معدودة. ومخاطبة الآخرين التي تنطلق من التراتبية في الرتبة والدرجة، لابد أن تختلف عن مخاطبة السياسيين الذين يعتبرون الآخرين أندادا لهم، وحين قال السيسي لإبراهيم عيسى إنه لن يسمح له باستخدام مصطلح (العسكر) فإنه كان طبيعيا وتلقائيا، لأن هذه هي اللغة التي يتخاطب بها القائد العسكري مع الأقل منهم رتبة.. وحين قال إن المشروع الذي ينفذ في 18 شهرا ينبغي أن ينجز في ثلاثة أشهر، فإن ذلك أسلوب في الإدارة لا تعرفه الحياة المدنية التي تلتزم بالقواعد أكثر من انصياعها للأوامر. * إنه كان لينا ومهادنا في مخاطبة الخارج وشديدا في مخاطبة الداخل.. (هل تقول إنه بدا مسالما في الخارج ومحاربا في الداخل)، ذلك أنه كان متصالحا مع الجميع ومجاملا للغاية للدول الخليجية التي ساندته، ولم ينتقد الدول الغربية التي لا يزال إعلامنا يتهمها بالتآمر عليه وعلى نظامه، حتى حين حاول محاوره استدراجه للحديث عن حماس وقطر وتركيا وهي الأطراف التي يصنفها إعلامنا المصري ضمن (الأعداء)، فإنه سكت ولم يرد في الحالة الأولى، واستخدم لغة مهذبة في عتاب الدولتين الأخريين حين قال لهما: لا تغضبوا المصريين أكثر من ذلك. كما أن ذلك التفهم كان واضحا في حديثه عن إسرائيل والولايات المتحدة، لكن هذه اللغة اللينة التي شملت رجال النظام السابق بالمناسبة، تحوّلت إلى حزم وشدة في حديثه عن الديمقراطية وعن المتظاهرين والإسلام السياسي وفي رفض المصالحة وإغلاقه الأبواب في وجه الذي قال بوضوح إنه لن يكون لهم مكان في عهده.