أليست الدول تضع ملاجئ وكهوفا ليلجأ إليها الناس في الحروب؟ فكذلك سورة الكهف عند الفتن، هي ملجأ وكهف ومخرج للمؤمن من كل هذه الفتن. قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق). وقال أيضا: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين). ولقد عرضت السورة جميع أنواع الفتن! عرضت فتنة الدين، في قصة أصحاب الكهف. وفتنة المال، في قصة صاحب الجنتين مع صاحبه. وفتنة العلم، في قصة موسى والخضر عليهما السلام. وفتنة السلطان والملك والرئاسة، في قصة ذي القرنين. وبين هذه وتلك، تعرضت إلى فتن أخرى، وقد بينت في كل فتنة كيف تكون النجاة. وإن كانت السورة تتحدث عن فتن أساسية في حياة الناس: فتنة الدين، وفتنة المال، وفتنة العلم، وفتنة السلطة، فقد يجتهد الشيطان ويوقع المسلم بإحدى هذه الفتن، ولذلك حذر الله منه، في وسط هذه السورة فقال: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا). فعلى التحذير من الفتن، تدور آيات هذه السورة الكريمة، ولذلك جاء في الحديث الصحيح عنه، صلى الله عليه وسلم: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال). وفي الحديث الآخر الذي رواه مسلم رحمه الله، يقول صلى الله عليه وسلم: (من أدركه منكم يعني الدجال فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف). ألا واعلم يا رعاك الله أن السورة تعرضت إلى ذكر كثير من قوارب النجاة، نذكر منها، (انظر الصورة): الصحبة الصالحة: قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). التواضع والصبر: (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا). الإخلاص: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). وأخيرا أقول: في ظل الظروف التي تعيشها الأمة اليوم، وفي ظل ما يعصف بها من قلاقل في ظل هذه الفتن التي تحيط بالأمة من كل الجوانب، لا بد من اللجوء إلى كتاب الله جل وعلا: (فأووا إلى الكهف..). فاللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه، ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء اليل وأطراف النهار حتى ترضى عنا... بقلم: الشيخ خليفة / إمام بسيدي بلعباس