لا يكاد يستفيق العدو الصهيوني من هول المفاجأة الأولى حتى تصدمه مفاجأةٌ جديدة، أقوى من سابقتها وأخطر وأبعد هدفا وأعمق أثرا، تربك تفكيره وتصيبه بالذهول وتخرجه عن طوره، فيبدو عصبيا كالمجنون وتائها كالمخبول ويتخبّط كالمسطول، يترنّح فلا يكاد يقف حتى يقع، يتحسّس كلّ مكان مضطربا خائفا لا يعرف من أين تأتيه الضربات ولا كيف تصيبه ومن الذي يستهدفه وكيف يباغته ويصل إليه. رغم الصعوبات والعقبات والطائرات والمجسّات وبالونات التجسّس ومناطيد المراقبة وأعمال التصوير ومساعي المراقبة، إلاّ أن المقاومة تعد العدو الصهيوني بالجديد وتفي بوعدها وتهدّده بالمزيد وتنفّذ تهديدها وتنبّهه إلى القادم وتدعوه للاستعداد والتهيّؤ واليقظة والانتباه، لكنها تنفذ إليه وتمرق من كيانه بنجاحٍ كما يمرق السهم من الرمية، بينما وسائل الإعلام ترقب الأحداث وكأنها تتوقّع حدثا كونيا جديدا، فتنصب كاميراتها وتجهّز معدّاتها وتتّجه نحو السّماء، تنتظر الحدث الجديد وكأنه كوكب سيظهر أو حادثة كونية ستقع. مفاجآت صادمة ووعود صادقة تصنعها المقاومة وتفي بها سواعدها الرّامية ورجالها الشمّ الرواس، الصيد الأباة، فتجبره لهولها على التفكير ومراجعة حساباته وتفقد قدراته والتأكّد من احتياطاته ومعرفة جاهزية دفاعاته، لكنه يائس محبط، خائف وجل، فعلى الرغم من قدراته الكبيرة فإن المقامة تنال منه وتهزأ به وتتهكّم عليه، ورغم أسلحته الفتّاكة المدمّرة فإن المقاومة لا تخافه ولا تأبه به وتتحدّاه وتصل إليه، بينما آلته الدفاعية المتطوّرة أصبحت عمياء وقبّته الفولاذية أصابها العطب وسماؤه المغلقة قد ثقبت وجدرانه الصمّاء قد تصدّعت وجبهته الداخلية تمزّقت وتفسّخت ولم يعد عنده دفاعات واثقة ولا استعدادات موثوقة ولا روح معنوية عالية ولا ثقة شعبية به واثقة. العدو الصهيوني بات متأكّدا من أن المقاومة الفلسطينية قد شبّت عن الطوق، وأنها باتت أقوى ممّا يتصوّر وأكبر ممّا يتخيّل، وأن ما عندها من قدراتٍ أكثر ممّا يتوقّع، وأنها تمتلك سلسلة من المفاجآت المذهلة التي تدلّ على تطوّر قدراتها ونجاح مخطّطاتها وخبرة صنّاعها وتصميم رجالها وبصيرة خطواتها وحكمة قراراتها، وأنها تمضي وفق خططٍ مدروسة وبرامج معدّة وخطواتٍ متدرّجة واثقة ومطمئنة، لا تضطرب ولا تتعثّر، وأن الأهداف لديها واضحة والمسارات معلومة والخطط مرسومة، لكن كلّ شيء عندها بقدرٍ وميعاد، لا يخلفونه ولا يخلون به. العدو أصبح يدرك أن إعلام المقاومة أقوى من إعلامه، وأنه أسبق منه وأجرأ وأكثر ثقة وأصدق، وأنه يعتمد في عمله على منهجية حقيقية وخططٍ واقعية، لا كذب فيها ولا تهويل ولا ادّعاء فيها ولا تزوير، إنما هي حقائق يقدّمها لشعبه وعدوه، مدعومة بالصور والوثائق ومؤكّدة بالأرقام والبيانات وموثّقة بالشهادات والاعترافات، وفيها قرائن وشواهد وبيّناتٌ وحقائق، لا يقوى العدو على نكرانها ولا يستطيع إخفاءها، كما لا يقدر على تجاهلها وإهمالها. لم يعد العدو الصهيوني يعتمد على قدراته وإمكانياته الذاتية في الحصول على المعلومات والبيانات ومعرفة النتائج والإحصائيات والتأكّد من الأخبار وحقيقة الأثار، فبات يترقّب البيانات العسكرية لفصائل المقاومة وينتظر ظهور الناطقين الرّسميين باسم المقاومة الذين يتحدّثون باسمها ويعبّرون عن حقيقتها ويكشفون للعدو عن بعض خططهم وحقيقة نواياهم، في تحدٍّ جرئ ومواجهة رجولية وجدّية في الخطوة وصدقية في الوعد وصرامةٍ في التنفيذ والأداء عزّ أن يقوم بمثلها العدو. ليس أمام العدو الإسرائيلي سوى أن يصدّق المقاومة، وأن يأخذ كلامها على محمل الجدّ، فلا يستخفّ بها ولا يقلّل من قدراتها ولا يكذّب وعودها ولا يدّعي الانتصار عليها وتدمير مقدراتها، فهو يعرف أن المقاومة أكثر صدقا منه، فهي إن قالت صدقت، وإن وعدت نفّذت، والشواهد على ذلك كثيرة، فقد هدّدت بقصف تل الربيع وشمالها فصدقت وعدها وقصفت، ووعدت بمفاجآتٍ على الأرض وكان لها ما أرادت، فصدّت إنزالا بحريا واقتحمت قواعد عسكرية، ووعدت بمفاجآتٍ جديدة فسبقتها طائرات بلا طيّار اخترقت الأجواء واجتازت الحدود وتخطّت الرادارات وأجهزة الرقابة ووصلت إلى عمق الكيان، وما زالت المقاومة تعد بالجديد والمزيد، وعلى العدو أن يرتقب ويصطبر، وأن يعدّ ويحصي. المقاومة الفلسطينية قالت له إنها لن تنكسر أمام آلته العسكرية، ولن تضعف أمام إجراءاته القمعية، وأنها ستنتصر عليه وستفشل مخططاته وستجبره على التراجع والنكول والنكوص وستجعل منه أمثولة وحكاية وقصّة ورواية، يرويها سلفهم لخلفهم ليتعلّموا ويتّعظوا ويندموا ويتوبوا ويأخذوا منها الدرس والعبرة.