مختصون في الاجتماع: التحضر هو رابطة مع الفكر والثقافة أصبحت العديد من المفردات في عصرنا الحالي لا تدرك معناها الحقيقي، أو بعبارة أصح ضّيعت معناها الأصلي، وذلك راجع للعديد من العوامل الثقافية والاقتصادية وكذا التطور الحضاري، الذي عرفه المجتمع الجزائري، ومن هذه المفردات عبارة (التحضر)، التي أضحت محل نقاش في محاضرات الأساتذة الجامعيين لأن الكثير من الجزائريين يفهمونها فهما خاطئا. عتيقة مغوفل تطلب منا إنجاز موضوعنا سماع آراء بعض الناس وأفكارهم، فجبنا بعض شوارع العاصمة التي كانت مكتظة وكالعادة بالعديد من المواطنين منهم الذاهب والراجع كل يقضي مصلحة من مصالحه، إلا أنّ هذا الأمر لم يمنعنا من التقرب من بعضهم من أجل سؤالهم ماذا يعني التحضر بالنسبة لهم؟ ولكن ورغم بساطة الكلمة إلا أن الإجابات كانت متعددة ومتنوعة ومن المستجوبين من استغرق وقتا في إيجاد الإجابة المناسبة. المظهر أساس التحضر عند الشباب أول من التقيناها كانت(عائشة) عاملة بأحد المحلات بشارع العربي بن مهيدي، سألناها ماذا يعني التحضر بالنسبة لها فقالت (أنا ما أعرف عن التحضر هو أن يواكب الإنسان الموضة في اللباس والعطور، بالإضافة إلى امتلاك أحدث السيارات وآخر تقنيات التكنولوجية، وأن يتردد على الأماكن الراقية وكذلك أن يجالس أشخاصا من الطبقة البرجوازية هو معنى التحضر بالنسبة لي)، عدنا وسألناها مرة أخرى هل أنت إنسانة متحضرة؟ فقالت (أنا امرأة زوالية من أين سيأتيني التحضر يا ترى) تركنا عائشة تكمل عملها وخرجنا من المحل. مشينا قليلا ودخلنا محلا آخر هذه المرة كان هاتفا عموميا، وجدناه مكتظا بالزبائن وهي فرصة لنا حتى نتكمن من الحديث إلى العديد من الأشخاص، وهناك التقينا ب(خالد) شاب يبلغ من العمر 25 ربيعا، يشتغل في المحل الذي كان جالسا فيه، كان واضعا في أذنيه سماعات للموسيقى ويرقص على أنغام الهيب هوب، رأينا فيه الشخص المناسب لسؤاله عن معنى التحضر، فأجاب (التحضر بالنسبة لي يعني أن آكل وألبس جيدا وأكون ظريفا فيصدقني جميع الناس فأنال الرضى والإعجاب وأكون شخصا متحضرا في نظر الجميع). واغتنمنا فرصة تواجدنا في نفس المحل لنسأل زبائن متواجدين هناك وكانت مروى التي لم يختلف رأيها كثيرا عن رأي خالد، فهي الأخرى شابة في مقتبل العمر وتعتبر أن الشخص المتحضر هو ذاك الذي يكون له هنداما مقبولا ويحسن آداب السلوك ويعرف أن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ثم ختمت كلامها قائلة إن الأشخاص المتحضرين ليسوا كثيرين في الجزائر إلا قلة قليلة لأن الكثير من الناس لا يفهمون هذه المبادئ بل هم متسلطون ويحبون فرض آرائهم على الجميع. الشخص المتحضر يعني ابن المدينة في حين فإن السيدة(غنية) في العقد السادس من العمر تعتبر أن المتحضر هو ذاك المتمدن أي أنه ابن المدينة، فقالت (نحن في الماضي كنا نقول (ناس الحضرة) وهم سكان العاصمة وضواحيها خصوصا أولئك المتمسكون بالعادات والتقاليد، مع تمسكهم بأساليب التعامل مع الغير مبنية على أساس الاحترام وكذا (الظرافة) التي لا بد منها، ففي زمن مضى كان الصغير يحترم الكبير وكان إذا تكلم الكبار سكت الصغار أو أنهم يقومون من وسط الجماعة، بينما في زماننا هذا غاب التحضر وحضر (الهماج) على حد تعبيرها. ... وللمثقفين رأي آخر في الموضوع أما السيد(زريمي إسماعيل)الذي يبلغ من العمر53 عاما محامي معتمد لدى مجلس قضاء العاصمة فقد كانت رأيته للتحضر مغايرة تماما للسابقيه، إذ أنه يعتبر الإنسان المتحضر ذاك الذي يكون على مستوى من الثقافة والعلم وعلى قدر من الأخلاق، فالمتحضر هو ذاك المثقف الذي يكون له اضطلاع على جميع مجالات الحياة سواء كانت علمية أو عملية أو حتى دينية، وقد أضاف السيد(زريمي) أن المتحضر ليس بالضرورة أن يكون إنسانا غنيا وذا مال وجاه حتى يكون متحضرا. وهو نفس رأي السيدة(فتيحة بومدول) أستاذة في الطور الابتدائي التي تعتبر أن تحضر الفرد يكون في أخلاقه ومستواه الثقافي وليس في هندامه أو في ماله، لأن ثقافة الفرد تعبر أيضا عن مستواه الاجتماعي وحتى عن نوع صداقاته وعلاقاته، فعلاقة الإنسان بغيره تعبر أيضا عن مدى تحضره، زيادة عن هذا فإن التحضر أيضا يشمل التحكم في تقنيات الاتصال الحديثة. وللغوص أكثر في الموضوع ربطت (الجزائر) اتصالا هاتفيا بالسيد (طايبي) مختص في علم الاجتماع هو الآخر اعتبر أن التحضر مرادف للتمدن والذي يعبر عن أنماط جميلة للعيش ويتجسد في قالب الحياة اليومية للأفراد، وهو أيضا رابطة مع الفكر والثقافة التي لا يمكن أن يستغني الأفراد عنها، بالإضافة إلى هذا فإن التحضر مهد السياسة وطابع حضارة الشعوب فهو الذي يدفع إلى صنع القيم الإنسانية لأن الإنسان البدائي كان متوحشا ويعيش على قانون الغاب، زيادة على ما سبق ذكره فإن الاعتبار السائد في المجتمع أن التحضر ميزة سكان المدينة لأن العاصمة يكون فيها دوما تاريخ الحواضر.