نساء يتعمدنّ إنجاب أطفال الزنا لإرغام الرجال على الزواج بهنّ الحصول على منحة الأم العازبة... مطمع آخر أحصت الجزائر في السنتين الأخيرتين أكثر من3000 أم عازبة، وهذا حسب الإحصائيات الواردة، وهذا يعني ارتفاع نسبة عدد الأطفال المولودين خارج الأطر الشرعية أي الزواج، وهو المقدر بالآلاف سنويا، إذ يتعذر إحصاؤهم لأن الأرقام تبقى بعيدة عن الواقع، وهو الأمر الذي يستهجنه المجتمع الجزائري، وذلك نظرا للاعتبارات الدينية إلا أن المشرع الجزائري يحمي هذه الفئة من الأمهات من خلال أطر قانونية. عتيقة مغوفل (العاهرة، الأم العازبة، الساقطة...) وغيرها من التسميات التي يطلقها المجتمع الجزائري على النساء والشابات اللائي يقمن بإنجاب أطفال خارج الزواج، وذلك على اعتبار أن مثل هذه الأفعال محرمة في الشريعة الإسلامية، وقد جاء العديد من الآيات والنصوص القرآنية التي تحرم فعل الزنا على غرار ما ورد في مطلع سورة النور بالرجم حتى الموت بالنسبة للمحصنين والجلد لغير المحصن أي الأعزب، إلا أن المواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان رأت أنه من الضروري أن يتم حماية هذه الفئة من النساء ومراعاة ظروفهنّ التي تختلف من امرأة لأخرى فهناك المغتصبة وهناك من أنجت طفل الزنا وهي متعمدة في ذلك.
أنجبت منه طفلا لتجبره على الزواج بها لم يكن من السهل علينا تناول الموضوع أو إيجاد شهادات حية من شأننا أن ندعم بها أفكارنا، ولكن ومع ذلك هناك فئة من النساء من قررت أن تكسر حاجز الصمت وتروي لنا ما عايشته من تجربة مريرة في حياتها من خلال إنجاب طفل الزنا. أول من التقيناها كانت السيدة (نورة)، التي تبلغ من العمر 62 ربيعا تزّوجت وهي تبلغ من العمر 25 عاما من أحد الجزائريين المغتربين بفرنسا، عاشت معه هناك مدة زمنية قاربت السنة، إلاّ أنّها قررت في الأخير أن تطلب منه الطلاق وتعود إلى أرض الوطن ولبيت أهلها بعد مضي 6 أشهر عن زواجها من المغترب صدمت به أنه زير نساء في فرنسا، كل يوم يسهر مع واحدة معينة، بالإضافة إلى هذا فقد كان سكيرا، كلما يثمل ويعود إلى البيت ينهال عليها بالضرب وهو الأمر الذي لم تحتمله ما أدى بها إلى الرجوع إلى بيت أهلها، لتتعرف بعدها على أحد الأشخاص فأقامت علاقة معه وأحبته إلى درجة الجنون، وطلبت منه الزواج إلا أن هذا الأخير رفض الأمر جملة وتفصيلا، ما دفع بنورة إلى التفكير في إغوائه وإنجاب طفل منه حتى تتمكن من وضعه أمام الأمر الواقع ويتزوجها فيما بعد، وهو ما وقع فعلا، فقد حملت (نورة) من عشيقها وحين واجهته بخبر حملها رفض الارتباط بها، معللا فعلته أنه صارحها من قبل بعدم الزواج بها حتى وإن حملت منه بعشرة ذكور لن يتزوجها، وقام بقطع جميع الاتصالات بها وتخلى عنها، إلا أن (نورة) كانت مدركة الخطأ الذي اقترفته فلم ترد التخلي عن مولودها، بل واجهت أهلها بأمر حملها ونظرا للحب الكبير الذي كان يكنه لها والدها، لم يسمح لها بالتخلي عن طفلها وقام بتسجيله باسمه حين ولد ورباه كما يربي أي طفل من أبنائه وحين بلغ سن التمدرس سجله في المدرسة وتدرج في سلم التعلم إلى أن وصل إلى الجامعة، لتختم السيدة (نورة) حديثها إلينا أنها نادمة على الخطيئة التي اقترفتها وذلك لأن ابنها اليوم يعاني من نظرة المجتمع إليه الذي ينظر إليه دوما على أنه ابن الزنا رغم أنه أصبح اليوم من خيرة الشباب الجزائريين.
حملت منه حتى تكون زوجته الثانية ولكن وعلى ما يبدو فإن (نورة) لم تكن الوحيدة التي أنجبت طفل الزنا حتى تتزوج بمن تحب، فنوال صاحبة 38 ربيعا، هي الأخرى تعرفت على محمد يبلغ من العمر47 ربيعا متزوج وأب لثلاثة أطفال كان زميلا لها في العمل، وبدأ يدنو منها ويتودد لها إلى أن أصبحت تجمعهما علاقة غرامية والتي تطورت كثيرا فيما بعد فقد أصبح يلتقيان في إحدى الشقق بالعاصمة، لتطلب فيما بعد نوال من محمد أن يتزوج بها إلاّ أنّ هذا الأخير رفض فكرة الزواج بحجة أنه متزوج،إلا أن نوال وافقت على أن تكون الزوجة الثانية، وهو الأمر الذي رفضه محمد وحاول قطع علاقته بنوال، إلا أن هذه الأخيرة لم تيأس بل واصلت في علاقتها معه، ولكن فكرت هذه المرة أن تحمل منه حتى تضعه أمام أمر الواقع، وهو ما وقع فقد حملت نوال من محمد وحين أخبرته بالموضوع لم يتقبله وقطع جميع اتصالاته بها، ما دفع ب(نوال) إلى إجهاض الجنين حتى لا يكون فضيحة وعارا على أهلها.
المشرع الجزائري يحمي الأم العازبة الشهادتان سالفتا الذكر دفعتانا لطرح الكثير من التساؤلات حول المنظور القانوني لمثل هذه التصرفات، التي تقوم بها بعض النساء في المجتمع الجزائري والتي أدت إلى الفساد الأخلاقي وشيوع أبناء الزنا في المجتمع الجزائري، وهو الأمر الذي جعلنا نربط اتصالا هاتفيا بالأستاذة المحامية (زهية مختاري)، التي اعتبرت أن المشرع الجزائري أصبح يضع قوانين خاصة بالأسرة أو بالعقوبات تتنافى تماما ومبادئ الشريعة الإسلامية، مع أن الدستور الجزائري يقر في ديباجته على أن الإسلام دين الدولة، فالقانون يحمي الأم العازبة بالاعتماد على جملة من الاتفاقيات الدولية المبرمة في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان، رغم أنه لا توجد مادة صريحة تقر بذلك إلا أنها محمية فقد أنشأت الدولة الجزائرية مراكز إسعاف اجتماعي لإيواء هؤلاء النسوة، بالإضافة إلى هذا فلها الحق في التخلي عن طفلها الذي يولد في المستشفى أو في إحدى دور الحضانة وتذهب لتكمل حياتها بعيدا، ومن سيعاني فيما بعد هو ذاك الطفل الذي يحمل كنية مجهول النسب طوال حياته، فالكثير من هؤلاء الأطفال يعانون في صمت بسبب أمهاتهن اللائي تخلين عليهم. بالإضافة إلى ما سبق ذكره، وحسب الأستاذة المحامية زهية مختاري فقد أقر المشرع الجزائري في الأشهر الأخيرة جملة من التعديلات القانونية التي من شأنها أن تدافع على حقوق المرأة وتوفر لها الحماية أكثر، ومن بين هذه الإصلاحات منح الأمهات العازبات منحة شهرية تقدرما بين 10 آلاف و15 ألف دج على كل طفل أنجبته خارج الزواج، فهو شيء إيجابي من جهة لكن لا يخلو من بعض السلبيات في زمن طغت فيه المادة على العقول وأضحى الكل يلهث وراء تحصيلها ولو على حساب الشرف وهو الأمر الذي اعتبرته السيدة مختاري أنه يشجع فئة من الشابات على ارتكاب الفاحشة مقابل الحصول على مبالغ مالية معتبرة وهو أمر محرم شرعا. ---------- تتعدد الأسباب.. والمأساة واحدة يتساءل الكل هل الأمهات العازبات هن ضحايا لمآس وظروف أم هن مذنبات، نجيب أن الحالات تتنوع فهناك من آلت إلى ذلك المآل برجليها كما يقال وهناك من غرر بهن، وهناك حتى من تعرضن إلى الاغتصاب فكانت النتيجة سلبهن أغلى ما تملك الفتاة، والفضيحة الكبرى إن أفضت العلاقة غير الشرعية إلى الحمل فتلك الجريمة يكون مرادفها القتل وتفكك الأسر مما يجعل الفتاة تفر بخطيئتها إلى الشوارع التي لا تكون رحيمة بها طبعا، فإن نظرنا إلى هذا الجانب نجد أن الفتاة لها ضلع في المأساة التي تتخبط فيها بسبب الجهل والأمية وانعدام المستوى ورفقة السوء وغيرها من الأسباب، لكن هناك من راحت ضحية اغتصاب بعد أن حامت الذئاب المفترسة بها وكانت النهاية فقدان الشرف أو حتى حمل غير شرعي فهنا المسؤولية مشتركة ويكون للمجتمع دور في ارتكابها، المجتمع الذي لم يوفر حماية للفتاة فتكون ضحية في هذه الحالة. جانب آخر أفرز لنا المئات من المغتصبات والنساء الحوامل وكذلك المئات من الأطفال غير الشرعيين ألا وهو العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر في التسعينيات والذي نجم عنه ما يسمى بأبناء الجبل المنضمين إلى فئة الأطفال غير الشرعيين. بحيث يجمع أغلب علماء الاجتماع أن سنوات الإرهاب زادت من تفشّي ظاهرة الأطفال غير الشرعيين، هذا فضلاً عن اتساع دائرة الأمية والفقر التي ساهمت أيضاً في تسلل الخطيئة بكل أنواعها داخل المجتمع. وتشير إحصائيات سابقة أن الأطفال الذين ولدوا في معاقل الإرهاب خلال العشرية السوداء، والذين يتراوح عددهم بين 500 و600 طفل ينتظرون تسوية وضعية انتمائهم، واستطاعت شبكة (ندى) للدفاع عن حقوق الطفل معالجة 55 ملفا لأطفال غير شرعيين تم الاعتراف بهم، واجتماع كل تلك الأسباب دفع بالحكومة إلى اتخاذ احتياطات وتدابير للتكفل بضحايا الظاهرة. المشاكل الاجتماعية والأسرية أيضا لها نصيب في ذلك المشكل الطاغي، إذ تدفع بالفتيات إلى الشوارع وأغلب هؤلاء اللائي شربن من نفس الكأس كنّ مشردات في الشوارع قبل أن ينجبن بطرق غير مشروعة، وتتوزع باقي الأسباب ما بين عوامل الاغتصاب، وزنا المحارم، والجهل والأمية. وبعد أن تحوّلت الأم العازبة والابن غير الشرعي إلى واقع معاش وجب وضع أطر للتكيف والتأقلم معه كما أقر به حتى الشرع الذي يناهض مثل تلك الممارسات، لكن بعد أن تحوّل الملف الشائك إلى أمر واقع يقر أئمة وعارفون بأمور الدين بوجوب معالجته باتجاه محاصرة الظاهرة، من خلال تحصين المرأة بالتربية الدينية الصحيحة، وهي مهمة المدرسة والمسجد والمجتمع الجزائري من أكثر المجتمعات محافظة، ولا توجد فضيحة لدى أفراده أسوأ من فضيحة الحمل غير الشرعي، وهي فضيحة لا تغسلها إلا (السانترا) وهي التسمية الشعبية للبندقية، ولكي لا يقع الفاس في الراس ولا نصل إلى تلك المصائب وجب تقوية الوازع الديني بغية القضاء على المشكل وإفرازاته السلبية التي لحقت إلى حد ارتكاب القتل في حق أجنة أبرياء ما يتبين من قضايا العثور على أطفال حديثي الولادة في أكياس القمامة أو على قارعة الطرقات، تمّ التخلص منهم خوفاً من الفضيحة. أو حتى اللجوء إلى الإجهاض كأسوء الحلول بعد حبك القضية مع العيادات التي توفر الإجهاض بطرق ملتوية لهؤلاء المغرر بهن. فتقوية الوازع الديني وتوفير الأمن وتجريم الأفعال المخلة بالحياء هي كلها تدابير من شأنها التقليص من الظاهرة التي باتت متفشية وللأسف في مجتمعنا المحافظ. نسيمة خباجة ------------------ الدين الإسلامي يحرم الزنا ما ظهر منها وما بطل الشيخ قسول: لا يجوز تعنيف الأمهات العازبات والرفق بهن واجب تعتبر جريمة الزنا واحدة من الكبائر التي نهت عنها الشريعة الإسلامية وذلك حفاظا على الأنساب، لذلك شرع الله عزوجل الزواج كرباط شرعي بين الرجل والمرأة، وذلك حتى يكون لهؤلاء الأطفال نسب ينتمون إليه، ولكن وللأسف شاع في المجتمع الجزائري ماهو معروف بالأمهات العازبات، اللائي ينجبن أبناء بطرق غير شرعية خارج إطار الزواج، وهو ناتج عن تردي الأخلاق في المجتمع الجزائري من جهة، وتدني المستوى المعيشي للشباب الراغبين في الزواج الذين يجدون صعوبات في الزواج بسبب مشكل السكن، وغلاء المهور مع أن النبي صلى الله عليه أمر أولياء الأمور بالتيسير على الخطاب فقال (يسروا ولا تعسروا)، كما أمر المقبلين على الزواج التماس ولو خاتم من حديد كمهر للمرأة، إلاّ أنّ الظروف الاجتماعية أصبحت تحول دون ذلك، ما أدى إلى بروز ظاهرة تأخر سن الزواج للجنسين معا هو ما أفرز بدوره مجموعة من الظواهر السلبية. وللاستفسار أكثر في الموضوع قامت (أخبار اليوم) بربط اتصال هاتفي بفضيلة الشيخ (جلول قسول)مسؤول النشاط المسجدي بوزارة الشؤون الدينية وإمام بمسجد حيدرة، وذلك لمعرفة حكم الدين في الأمهات العازبات، وقد أخبرنا هذا الأخير أن الشريعة الإسلامية قد جاءت صريحة في هذا الباب من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد قال عزوجل في سورة الأعراف: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، بالإضافة إلى هذا فقد قال نبينا محمد صلى اله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وهذا إن دل فإنما يدل على تحريم ظاهرة الزنا). رغم ذلك أضاف الشيخ جلول قسول فإن تسمية الأمهات العازبات تعد عقابا قائما في حد ذاته لمثل أولئك النسوة اللائي يقمن بهذا الفعل، لذلك يجب التعامل معهن حسب الظروف لأن هناك صنفا من الأمهات العازبات اللائي تم الاعتداء عليهن، بالإضافة إلى هذا فإن المجتمع الجزائري مجتمع لا يرحم لهذا قام المشرع الجزائري بحماية هؤلاء النساء حتى لا يعدن للرذيلة مرة أخرى، وتم تخصيص منحة لهن حتى يجدن قوت يومهن. كما أن الله عزوجل يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به، لذلك وجب على المجتمع الجزائري التعامل برحمة مع هؤلاء النسوة، حتى لن تحدث فوضى في المجتمع، بالإضافة إلى ما سبق ذكره لا يجوز لولي أمر الأم العازبة أو أخاها أن يقوموا بوضع الحد عليها بمفردها والذي ينتهي في الكثير من المرات بالقتل، وإزهاق الروح التي حرم الله إزهاقها بغير الحق، بل يجب على ولي الأمر في هذه الحالة تسليمها إلى الحاكم الذي يقوم بدوره بمعاقبتها. عتيقة مغوفل --------------------- أعلى الصفحة 18 الأمهات العازبات.. قضية تشغل الرأي العام في الجزائر تلفظ الجزائر سنويا حسب ما تشير إليه الإحصائيات أكثر من 3000 أم عازبة و7000 طفل غير شرعي مما أدى بالسلطات إلى سن وتشريع قوانين صارمة وعاجلة لانتشالهن من الضياع، فهم فئة من المجتمع شئنا أم أبينا ظلت ولازالت تقاسي على جميع المستويات بدءا من انعدام مستقر العيش الكريم، وصولا إلى الابن أو الابنة كثمرة للخطيئة ويكون التشرد عنوانا للأم وجنينها حتى وهي في النفاس وتبدأ المأساة التي تكون لها بداية لكن لا نهاية لها عبر أقواس الشوارع... مما حوّل قضية الأمهات العازبات إلى قضية شاغلة للرأي العام بل هي من الطابوهات المسكوت عنها في الجزائر على اعتبار أنها تجلب الفضح والبهدلة فهي تصنف في جرائم الشرف مما زاد من بلة الطين وجعل هؤلاء في قوقعة مظلمة مع فلذات أكبادهن. أعلى الصفحة 19 البشر لا يحاسب البشر هي عبارة تلفظ بها وزير جزائري سابق في قاعة البرلمان، دفاعا عن الأمهات العازبات اللواتي تهضم حقوقهن وحقوق أطفالهن جهارا نهارا في مجتمعات عربية كثيرة على غرار الجزائر على الرغم من أنهن فئة يستعصى تصنيفها بين خانة الضحايا أم خانة المذنبات، ويبدو أن التصنيف الأخير هو الطاغي في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تجرعهن اليأس والظلم من طرف الجميع وبات مأواهن الشوارع وحاويات الكارتون تحت شمس محرقة صيفا وبرودة وصقيع شتاء، فهل من آذان صاغية تعيد لهن ولأطفالهن البسمة التي افتقدوها لسنوات بعد أن حاسبهم البشر قبل أن يحاسبوا من الواحد الأحد، هي صرخات تطلقها الآلاف من النسوة أو الأمهات العازبات كما يحلو للكل نعتهم بعد أن تذوقن مرارة العيش والنهش في عظامهن، فهل من مستجيب؟ +++++++++++++++++ أرقام وإحصائيات مرعبة تدعو إلى دق ناقوس الخطر الأمهات العازبات.. فئة منبوذة تهدد استقرار المجتمع الجزائري * الرجل.. شريك متنصل من المسؤولية ومفلت من العقاب أصبحت ظاهرة الأمهات العازبات في المجتمع الجزائري مثار قلق، وإشكالية عويصة أثارت جدلا كبيرا لدى الجزائريين على حد سواء، غير أننا استطعنا أن نخرجها من نطاق الطابو أوالمسكوت عنه متجاوزين كل الخطوط الحمراء وكل هذا في سبيل إيجاد حلول لها أو حتى التقليص منها، ففي كثير من الأحيان عوض أن نعالج الظاهرة في أوانها نجد أنفسنا أمام تراكمات يصعب حلها، غير أنه ليس من العيب أن نعترف بمظاهر الخلل في مجتمعاتنا وإنما العيب هو أن نغطي عليها ونتركها تنخر عظام المجتمع وتستفحل يوما بعد يوم. حسيبة موزاوي ظاهرة الأمهات العازيات تشهد ارتفاعا محسوسا، وتكون النتيجة أيضا ارتفاع معدل الأطفال غير الشرعيين، فمن الصعب تصور معيشة الأم العازبة في المجتمع الجزائري مع ثمرة خطئها هو الابن غير الشرعي، فتفضل في جل الحالات التخلي عنه أو حتى الاتصاف بأبشع صفات اللاإنسانية كالإجهاض أو قتل الصبي عند الولادة والإلقاء به في الزبالة. إحصائيات رهيبة وحددت نسبة الولادات كآخر إحصائيات ب 7000 مولود غير شرعي سنويا، أو ما يقارب 1 بالمائة من مجموع الولادات مقارنة بمجموع الولادات سنويا الذي يقدر بحوالي 730.000 ولادة سنوية، وعلى عينة أكثر من 15.701 امرأة سلمت للولادة ثمة مسجلة وعلى سبيل المثال بالعاصمة 118 مولود غير شرعي مقارنة ب 8866 من مجموع المواليد، و 49 مولودا غير شرعي بسكيكدة مقابل 3294، و21 مقابل 3541 بمعسكر، لكن هذه الأعداد غير موثوق بها ولا تؤخذ بعين الاعتبار لأن طابوهات هذه المواضيع تمنعنا من ضبط إحصائيات مضبوطة. وحسب هذه الإحصائيات 52 بالمائة من الأمهات العازبات تتراوح أعمارهن من 15 إلى 25 سنة، وبالإضافة إلى ذلك 40 بالمائة من الأمهات العازبات أميات أو توقفن عن الدراسة في المرحلة الابتدائية، من جهة أخرى، كما أن حصيلة المواليد المتوفين عند الولادة، متضاعفة عند الأمهات العازبات مقارنة بالنساء المتزوجات. لماذا تُحمّل المرأة المسؤولية دون الرجل ؟ إن هذا الفعل الحرام الذي اشترك في ممارسته امرأة ورجل في إطار محرم تتحمل عواقبه المرأة في غالب الحالات، والمنطق يرجح إشراك الرجال في تحمل المسؤولية بناء على اتفاق الطرفين، ليصبح الرجل يسمى بالأب الأعزب وهو نعث غائب ويقابله نعث الأم العازبة، والأمر المحير في القضية أن دواعي الأخطاء المرتكبة جلها تلاحق المرأة كون بذرة العلاقة غير الشرعية تبرز عبر حملها غير المبرر في عيون العائلة والمجتمع، ترى لو كان الطرف الحامل للجنين رجلا هل كان سيواجه نفس مصير المرأة من الذل والمهانة؟ أم الأحق هو الاعتراف بالخطيئة والشجاعة في تحمل المسؤولية في تربية ابنهما ومنحه النسب والنفقة، والأهم من ذلك منحه الحب والحنان في جوّ أسري حميم، متفق عليه كما اتفقا على أول علاقة سرية جمعتهما. قصص من الواقع من مركز دارنا ... على اختلاف القصص التي نسمعها من يوم إلى آخر، وعن الأسباب والدوافع، قررنا زيارة مركز (دارنا) هذا الأخير الذي يستقبل الأمهات العازبات بكثرة و النساء ضحايا كل أشكال الاعتداءات، ولعل أقسى أنواع المعاناة الاجتماعية التي تتعرض لها هذه الفئة من النساء المتواجدة حاليا بالمركز قصة إحدى النزيلات التي جاء بها أحد المحسنين وجدها رفقة رضيع لا يتجاوز 15 يوما بمحطة المسافرين بالخروبة وهي تتألم من آثار عملية قيصرية، والمؤلم في القصة أن هذه المرأة التي جاءت من قسنطينة هي ضحية الزواج بالفاتحة والذي لم يتم ترسيمه مدنيا بسبب وفاة الزوج في حادث مرور ورفض زوجة أب هذا الأخير التكفل بها، المستشفى التي ولدت به هذه الحالة رضيعها، سارع للتخلص منها في اليوم الموالي بالرغم من أنها خضعت لعملية قيصرية فتوجهت إلى أحد مراكز الإيواء بقسنطينة أين خيرها القائمون عليه بين التخلي عن مولودها في مركز للطفولة المسعفة أو ترك المركز إلى وجهة مجهولة وهي في حال النفاس، فلم تجد هذه المرأة من حل سوى التوجه إلى العاصمة ولحسن حظها أن أحد المحسنين والذي كان قد سمع عن مركز (دارنا) الذي يعنى بإسعاف المرأة من دون مأوى لتجد أخيرا محطة تمنحها الراحة التي تحتاجها أي امرأة بعد ولادتها والآمان الذي افتقدته وسط الأهل والأحباب. سعاد التي تبلغ من العمر 25 سنة حظها العاثر رافقها منذ سن مبكرة وهي تبلغ سن 19 سنة تعرفت خلال فترة دراستها في المعهد بشاب أحبها إلى حد الجنون، غير أن والده رفض التقدم لخطبتها، توفي والدها وتزوجت أمها، وكانت سعاد تتعرض لأعمال عنف من طرف زوج أمها، الأم دائما كانت بين نارين بين تسلط زوجها وبين العذاب الذي تتعرض له ابنتها دون أن تحرك ساكنا فاضطرت لأن ترسل ابنتها سعاد عند جدتها. بقيت سعاد على هذه الحالة وعندما أصبحت في 22 من عمرها استاجرت منزلا مع صديقاتها وفي هذا الوقت طلب منها الشاب إقامة علاقة معها حتى يضع عائلته أمام الأمر الواقع رفضت سعاد في البداية غير أن إصرار الشاب عليها جعلها تفكر بالأمر ونتيجة الظروف السيئة التي تعيشها وافقت على الفكرة وعندما اكتشفت أنها حامل أخبرته، وأقنعها بعدم الإجهاض لأنه كان فعلا ينوي الزواج بها ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن، الشاب طرد من عمله وتأزمت أوضاعه المالية وتأزمت معها علاقته بسعاد التي رجعت إلى منزل أمها التي صدمت بوضع ابنتها والحال الذي وصلت إليه لكنها لم تكن ضيفة عزيزة، فسرعان ماعادت إلى المنزل الذي كانت تكتريه مع الشاب ولم تجد له أثرا وصدمت عندما وجدته قد باع أثاث المنزل ورحل إلى المجهول ثم عادت عند أمها. ووضعت مولودتها على يد أمها وأختها، ومع خوف أمها من زوجها لم تستطع إيواءها أكثر من ثلاثة أيام بعد الولادة، الآن سعاد مسجلة في أحد مراكز إيواء الأمهات العازبات بالجزائر العاصمة. أهم الأسباب... الفقر والجهل وقلة التعليم وعليه ارتأت (أخبار اليوم) الاتصال بأخصائية في علم النفس الاجتماعي الأستاذة (ف.زهرة) التي أشارت إلى أن موضوع الأمهات العازبات من القضايا التي لا تزال من المحظورات والتي تؤرق المجتمع، لأنها قضية نساء، غالبيتهن فتيات يعانين الفقر وقلة التعليم فتتحول حياتهن إلى جحيم حين يجدن أنفسهن ذات يوم حاملات، والأب المحتمل للجنين تنكر لوعده بالزواج، وبذلك يكون مآل الفتيات الفرار من بيوتهن خوفا من الفضيحة والمضايقات من مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، والعديد منهن فكرن في التخلص من المولود مباشرة بعد الولادة حتى يعدن إلى بيت العائلة دون خوف أو حرج. وأضافت المتحدثة أن حالات التخلي تتسبب في محن لا تطاق بالنسبة للأمهات وأطفالهن على حد سواء، ويفرز الوضع فئات مغلوبة على أمرها فتصبح ما بين مطرقة الخوف وسندان المجتمع، وهذا ما يجعلنا نتساءل اليوم ما دور الأمهات العازبات داخل المجتمع؟ بل ماذا أعد لهن المجتمع ليحميهن من تلك النظرة الدونية والقاسية والحياة البائسة التي يتخللها الشعور بالذنب والإحباط الشديد الناتج عن نظرة وتهميش مجتمع لا يرحم ولا يعترف بالخطأ في مثل هذه الحالات؟ لتواصل الحديث قائلة (إذا اعتبرنا أن هناك من يحمل همهن ويسعى جاهدا إلى التخفيف من المعاناة والصعوبات التي تواجه أغلبهن ومحاولة إدماجهن داخل المجتمع من جديد، فإننا نكاد نجزم على أنها فعلا حالات معزولة ولا ترقى إلى ما هو مطلوب، خاصة إذا ما اعتبرنا أن هذه الظاهرة تتزايد كل سنة وفق ما أفرزته كل التقارير الدولية، وإذا أردنا أن نحدد أسباب هذه الظاهرة أو المشكلة، إن صح التعبير، فإننا سنلقي نظرة على مختلف ما قيل في هذا الشأن وسنحاول أن نبرز كل الأسباب، فهناك من يعتبر أن الأمهات العازبات هن ظاهرة ناتجة عن ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة ترتبط بالفقر والجهل والتفكك الأسري وانعدام التربية الجنسية، ويصل به الأمر إلى حد اعتبارها تفسخا أخلاقيا وبعدا عن تعاليم الدين الحنيف وخرقا لأعراف المجتمع. معاناة دائمة وحقوق ضائعة أطفال مجهولو النسب تحت وصمة العار يبقى مصير الطفل الذي يولد في ظروف غير طبيعية أو بطريقة غير شرعية مجهولا وهو لا يعاني فقط من الظروف الصحية التي يتعرض لها خلال ولادته وانعدام حقوقه أو حتى محاولة لإجهاضه بل تبقى تنتظره ظروف اجتماعية أسوأ، هذا إن لم يتم التخلص منه أو رميه في الشارع أو المساجد أو بالمراكز الاجتماعية التي تتكفل برعايته باعتبارها مؤسسات تربوية بيداغوجية تستقبل الأطفال وذلك للاستفادة من التكفل النفسي، التربوي، والصحي وحمايتهم من مختلف الأخطار التي قد تهددهم، ودرءا للفضيحة تكون الأم مضطرة إلى التخلي عن ابنها تاركة هذا الطفل المجهول بدون هوية أو نسب، وقد قدرت إحصائيات قدمتها وزارة التضامن الوطني عن عدد الأطفال المواليد من علاقة غير شرعية في السنوات الأخيرة بسبعة آلاف طفل سنويا وهي في تزايد متواصل. عدم الاستقرار النفسي سمة كل طفل مجهول تقول الأخصائية النفسانية خيرة مسعودي في حديثها عما يعيشه الطفل غير الشرعي من الناحية النفسية أن الأم العازبة والتي تنقل لجنينها حالة الانهيار النفسي الذي عاشته إضافة إلى الظروف المحيطة بها من الفرد والمجتمع ونظرة الاحتقار التي تلاحقها أينما ذهبت وتخليها عن ابنها بعد الولادة، فإنها بذلك تبدأ المعاناة الحقيقية لهذا الطفل وذلك منذ ولادته وتناميها حتى الكبر، وأضافت المتحدثة أن الأطفال بدون زواج عادة ما يخلق لهم اضطراب وظيفي في الشخصية يعوق توافقهم النفسي ويعوقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية في المجتمع الذي يعيشون فيه، وأغلب الحالات التي تتكرر لدينا هي أطفال في سن التمدرس حيث يعانون من اضطرابات في السلوكات، سلوكات عصبية، اضطرابات في الحركة، صعوبات مدرسية، تأخر مدرسي وهذا نتيجة عدم توفر جو عائلي متوازن، أما الحالات المستعصية التي يواجهها هؤلاء الأطفال في سن المراهقة وعند خروجهم من المدرسة الانحرافات بكل أنواعها في المجتمع كتعاطي المخدرات، الكحول...، وهذا لرفضهم الواقع المعاش أو بغرض الإنتقام من المجتمع الذي ينظر لهم نظرة اشمئزاز واحتقار. قضايا اثبات النسب تغزو المحاكم وأوضحت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم بأن المحاكم الجزائرية تشهد يوميا قضايا متعلقة بالأطفال غير الشرعيين، خاصة فيما يتعلق بدعوى اثبات النسب التي تقدمها الأم بهدف الاستفادة من النسب والميراث بعد موت الزوج غير الشرعي أو النفقة في حياته، مستعينة بولي أمر أو شهود حقيقيين أو زور، مما ينتج فضائح تنتهي عادة بتشتت العائلة وضياع الأطفال، كما يتحولون إلى ضحايا بعد إنجابهم، مما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية قد تكون نهايتها السجن ودمار الأسر خاصة وأن مجتمعنا ينظر إليهم بدون شفقة أو رحمة لهذه الفئة التي تعاني على مختلف الأصعدة. حقوق ضائعة يبقى الطفل المجهول في مركز الرعاية دون تعليم أو إشراف تربوي رغم أحقيتهم في التمدرس مثل باقي الأطفال، أما الذين كفلتهم العائلات فإن أغلبيتهم لم يحققوا أي نجاح دراسي. لا تتوقف حقوق الأطفال مجهولي النسب الضائعة على الدراسة والتكوين فقط بل إلى غاية بلوغهم سن الرشد ثم شبابا فكهولا، بل يتم تهميشهم حتى من الاستفادة من السكن والسبب طبعا معروف، وأضافت مسعودي أن الحل يكمن في التكفل النفسي والاجتماعي بهذه الفئة والتكفل يكون قبل ولادة الطفل غير الشرعي وذلك بالتكفل بالأم العازبة وأن يكون لها إطار مادي كي تستطيع الحفاظ على الطفل وحمايته من الانحراف في المجتمع لأنه قد يأتي جيل آخر ويتكرر نفس المشكل، لهذا وجب وضع قانون يحمي ويضمن حقوق الأم العازبة وطفلها. الإسلام يضمن للطفل مجهول النسب حقوقه يقول أحد الأئمة بالعاصمة إن هذه الفئة من الأطفال يجب أن تتمتع بكل الحقوق دون إقصاء أو تهميش، فهم ضحية لا ذنب لهم فيما اقترفه غيرهم، ولا يجوز إهانتهم بل يجب العناية بهم وحضانتهم وتربيتهم حتى يكونوا أفرادا صالحين في المجتمع ولا نحملهم مسؤولية أو ذنب أوليائهم من منطلق (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وأضاف أن رعاية هذه الفئة واجبة لقوله تعالى: (إن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم)، فهؤلاء الأطفال في حكم الأيتام، واليتيم أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، أما في قضية الميراث فإنهم لا يتمتعون بهذا الحق.