قال تعالى: {وَضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذ أرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُواْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لمُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُم إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُم إِلاَّ تَكْذِبُونَ* قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ* وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلاَغُ لْمُبِينُ* قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ الِيمٌ* قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُم أَئِن ذُكِّرْتُم بَل اَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ* وَجَآءَ مِن أقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ ياقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُم أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ* وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* ءآتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً اِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ* إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ* إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَسْمَعُونِ* قِيلَ ادْخُلِ لْجَنَّةَ قَالَ يلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ* وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ* إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ* ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَاتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ* أَلَمْ يَرَوْاْ كَم اَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُم إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ* وَإِن كُلٌّ لَّمَا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ* يس:13 32 (تسوق الآيات الكريمة هنا قصة أهل القرية الذين كذبوا رسل الله إليهم، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة، على طريقة القرآن في استخدام القصص للعظة والاعتبار. ولم يذكر القرآن الكريم من هم أصحاب القرية، ولا ما هي القرية. وقد اختلفت فيها الروايات التي لا طائل من تتبعها. وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئا في دلالة القصة وإيحائها. ومن ثم أغفل التحديد، ومضى إلى صميم العبرة ولبابها. والمعنى: واضرب أيها الرسول لمشركي قومك الرادين لدعوتك مثلا يعتبرون به وهو قصة أهل القرية، حين ذهب إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة غيره، فكذب أهل القرية الرسولين، فعززناهما وقويناهما برسول ثالث فقال الثلاثة لأهل القرية: إنا رسل الله مرسلون لهدايتكم، فرد عليهم أهل القرية بأنه ليس لكم فضل علينا، وما أنتم إلا بشر مثلنا، فكيف أوحى الله إليكم دوننا؟ بل الله لم ينزل شيئا من الوحي والرسالة، وما أنتم إلا قوم تكذبون في دعوى النبوة. فأجابهم الرسل بقولهم: الله يعلم أننا رسله إليكم، ولوكنا كذبة لانتقم منا أشد الانتقام وليس علينا إلا أن نبلغكم رسالة الله بلاغا واضحا جليا لا غموض فيه، فإن آمنتم فلكم السعادة، وإن كذبتم فلكم الشقاوة. قال لهم أهل القرية: إنا تشاءمنا بكم وبدعوتكم القبيحة لنا إلى الإيمان، وترك عبادة آلهتنا. قال المفسرون: ووجه تشاؤمهم بالرسل أنهم دعوهم إلى دين غير ما يدينون به، فاستغربوه واستقبحوه، ونفرت عنه طبيعتهم المعوجة، فتشاءموا بمن دعا إليه، كأنهم قالوا: أعاذنا الله مما تدعوننا إليه. ثم توعدوا الرسل بالرجم والعذاب الأليم. قالت الرسل لهم: ليس شؤمكم بسببنا، وإنما شؤمكم بسببكم، وبكفركم، وعصيانكم، وسوء أعمالكم، ألِأننا ذكرناكم ووعظناكم ودعوناكم إلى توحيد الله، تشاءمتم بنا، وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ ليس الأمر كما زعمتم، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والإجرام. قال ابن كثير: إن أهل القرية هموا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى لينصرهم من قومه، وطلب من قومه أن يتبعوا الرسل الكرام الداعين إلى توحيد الله جل شأنه، والذين لا يطلبون أجرة على دعوتهم، وهم على هدى وبصيرة فيما يدعوكم إليه من توحيد الله. وبعد النصح والتذكير أعلن إسلامه، وأشهر إيمانه، فقال: إني آمنت بربكم الذي خلقكم، فاسمعوا قولي، واعملوا بنصيحتي. ويوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه، فكانت عقوبتهم صيحة واحدة صاح بهم جبريل، فإذا هم ميتون لا حراك لهم، قد أخمدت أنفاسهم حتى صاروا كالنار الخامدة).