هو عمار بن عبد الله بن الطاهر بن أحمد الهلالي القماري، وُلد في بلدة قمار بوادي سوف بالجنوب الشرقي الجزائري خلال سنة 1316 ه الموافق لسنة 1898 م. بدأ رحمه الله بحفظ القرآن الكريم في سنٍّ مبكّرة، وذلك في بلدة فلياش قرية من قرى بسكرة، ولمّا بلغ الثالثة من عمره رحل مع والده إلى بلدة سيدي عقبة من ضواحي بسكرة، حيث أتمّ حفظ كتاب الله الكريم، ليرحل إلى زاوية سيدي المولدي ببلدة توزر بتونس التي كان نظام التدريس بها داخليا، إذْ كانت تستقبل الطلبة الفقراء فيُتمّون حفظ كتاب الله، وكذا يدرسون المتون الفقهية. طموحات الفتى عمّار بن لزعر ما كانت حينها قاصرة على حفْظ كتاب الله، وإتقان فنونه، فقد كان يريد الخوض في معركة مع المعرفة بأوسع مفهومها في ذاك الزمن، فرحل إلى تونس العاصمة مشيًا على الأقدام، وتكبّد من المصاعب الكثير، ونال من المشقّة حتى وصل إليها سنة 1334 ه، وما لبث أن لحق بجامع الزيتونة، فانكبّ على طلب العلم فيه، علمًا أن المقررات كانت جافّة وحافلة بموادّ وكتب غزيرة المادة يدرّسها شيوخ، كل شيخ بصدد فنّه الذي تخصّص فيه. يقول الشيخ عمّار بن لزعر في ترجمة لنفسه كتبها محمد سعيد دفتر دار: ومن فضل الله عليّ أني أدركت الكبار من هؤلاء العلماء كالشيخ الصادق النيفر، والشيخ أبو الحسن النجار، والشيخ الزغواني، والشيخ عثمان بن المكي، والشيخ الطاهر بن عاشور، الشيخ عبد العزيز بن جعيط وبعد تمام الدراسة في تسع سنوات تخرّجتُ بشهادة التطويع المعادلة لشهادة العالمية يومئذ، وذلك سنة 1341 ه . في الحركة الإصلاحية بعدما تخرّج الشيخ عمّار بن لزعر من جامع الزيتونة قرّر العودة إلى بلدته قمار وهو مليءٌ بالعلم وبرأسه أفكارٌ إصلاحية ونية في الاستقرار، حتى بدأ يلقي دروسًا بمسجد السوق العتيق بقمار؛ وبدأ بتغيير تلك المعتقدات التي كانت موجودة وقد اختلطت بالبدع المنافية للدين الحنيف كالذبح، والنُّذُر، والتقديس رويدا رويدا إلاّ كان يُواجه بالصدّ، إنما بروح الصبر والجلَد استطاع أن يغيّر الباطل، ويعرّف الناس معنى لا إله إلاّ الله، وأنّ محمدا رسول الله . وقد ركّز على التوحيد السلفي، والفقه الإسلامي، والتاريخ، وعلوم اللغة العربية، وصار يؤمّ حلقته جمْعٌ غفيرٌ من الكبار والصغار، وبدأ الوعي الديني ينتشر، ممّا فتح بذلك صفحة جديدة من صفحات الجهاد المقدس في سبيل نشْر العقيدة، والدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله، ومحاربة البدع والخرافات، كما كان الشيخ أحد المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورئيسًا لشعبتها في جنوبالجزائر. تضييق وملاحقات من الاستعمار وأذنابه لقي الشيخ في برنامجه الإصلاحي متاعب جمّة من الإدارة الاستعمارية الفرنسية المحلّية وأعوانها ومن تلك المضايقات أنّ أهل باب الشرقي وهو حيّ من أحياء بلدة قمار كانوا أحبابًا أي موالين لأهل البدع والخرافات، وكان منزل الشيخ في الفج بهذا الحيّ فكانوا كلّما يمرّ أحدهم بمنزله يرمي الحجارة وسط فناء بيته ممّا أدّى إلى إيذائه وزوجته، وأبنائه؛ حرمهم ذلك من الخروج إلى وسط الفناء إلاّ للضرورة، ويمشون تحت الحائط للوصول إلى هذا البيت، أو ذاك داخل المنزل اتقاء الحجارة التي تتساقط باستمرار فتحطم لهم القلل وأواني الماء. كان الشيخ عمّار بن لزعر رحمه الله في كل يوم يُخرج الحجارة التي سقطت في حجره، ويرمي بها خارج المنزل، وما اكتفوْا بذلك فأطلقوا عليه أذنابهم وشعراءهم كي يسيؤوا إليه، ويعيّرونه.. ومن هؤلاء الشاعرة بنت حورية زوجة ولد خشخوش، وممّا قالته في الحضرة إساءة للشيخ عمّار: على لقرع التقدود القاري على ليهود والله لضاربيه راه جاء واحد من تونس قاري على الطالبيه والالفرنسويه ومن ضمن الحوادث التي وقعت له كذلك الوشايات التي كانت ترفع من طرف المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي إلى القائد الفرنسي بالوادي؛ ففي إحدى المرّات استُدعي عمّار بن لزعر من طرف هذا القائد فذهب إليه، واستقبله ذاك الضابط بعجرفة ورعونة وقال له: لقد بلغني أنك تسبّ في نظام حكمنا وفي فرنسا، وتحرّض الناس على فرنسا وإثر هذا اللقاء أصدر الضابط الفرنسي قرارُا يمنعه من الوعظ والإرشاد، والدرس، وحلقات الذكر في المسجد، وهدّده في حالة مخالفته للأمر بسجنه في سجن برج فطيمة وهو سجن المعتقلين السياسيين قرب حاسي مسعود بالجنوب الأقصى الشرقي من الجزائر؛ ولمّا خرج الشيخ عمّار من مكتب الضابط العسكري قائد المنطقة كانت عيون خصومه له بالمرصاد خارج االمكتب، وسأله صديقه ماذا قال لك الضابط؟ قال له قال لي الضابط: اذهبْ درّسْ على نفسك لا يمنعك أحدٌ . فبدت الخيبة على وجوه خصومه، وذهب ودرّس بعد صلاة المغرب في نفس اليوم في المسجد العتيق مسجد الطلبة بالسوق العتيق، وهذه الحادثة تدلّ على فطنة الشيخ، وذكائه، وسرعة بديهته. يقول الشيخ محمد الطاهر تليلي عن هذه المضايقات والظروف التي كانت تحيط بالشيخ عمّار لزعر: ...في سنة 1924م اجتمعت لجنة من أهل قمار وطلبتها، وأهل الإصلاح بها، واتفقوا على تأجير مدرّسٍ يقيم عندهم في قمار لتثقيفهم، وتعليم أبنائهم، وكان الشيخ بتونس وقد تحصّل على التطويع فأجمعوا على أن يبعثوا إليه ليأتيهم إلى قمار التي حلّ بها وشرع في التدريس حسْب رغبتهم، وكان في بادئ أمره محبوبًا من أهل البلدة، ومن الزاوية التجانية، وكان ليّنًا في قوله يكتفي في إرشاده بالتلويح عن التصريح، وبالإشارة عن العبارة؛ إلاّ أن شيوخ التجانية، لا سيّما أولاد الشيخ العروسي، والشيخ العيد بزاوية تغزوت لم ترضهم سيرته في دروسه الإصلاحية الدينية فوقعت بينه، وبين أهل الزاوية، وأتباعهم نفرةٌ ثم مباعدة، ثم عداوة أدّت إلى انقسام أهل البلدة إلى حزبيْن: حزب الإصلاح وأكثر أتباعه من الطريقة الرحمانية، والطريقة القادرية، وحزب الطريقة التجانية وأتباعها، وبهذا الشقاق كثرت الوشايات بالشيخ عمّار، والافتراء عليه لدى السلطات الفرنسية حتى تدخّلت لفائدة الطريقة التجانية، إلاّ أنها لم تستطع أن تنال منه نيْلاً يُذكر بفضل بعض الشخصيات في قمار، وفي الوادي من الرسميين الحكوميين مثل القاضي الصادق حوحو، و القائد أحمد بن الهلالي، وابنه الأخضر، وبعض الأعيان، والوجهاء مثل السيد أحمد بن عثمان، والسيد عبد الرحمن بن علي فطّوم( نوّار) الملقّب ب (الدّحّي)، ومثل آغا الوادي عبد العزيز مصرلي البزّي، والسيد البشير بن محمود في الوادي وغيرهم من أساطين الإصلاح الكثيرين.. مكث الشيخ مكافحًا محاربًا للبدع والضلالات الموجودة بقمار، وسوف عامة سواء منها الأخلاقية، أو العادية، أو الطرقية والاستعمارية الحكومية. مكث كذلك من سنة 1924 م إلى سنة 1937 م والتي هاجر فيها إلى المدينة المنوّرة. فالشيخ لم يغادر قمار حتى ترك فيها طابعه الإصلاحي، وترك في قلوب أهلها محبته وإجلاله، وتعظيمه وإكباره؛ وكان من آثاره الماديّة الملموسة إشارته لتجديد الجامع الكبير جامع السوق الذي كان يسمّى قبل التجديد جامع الطُّلْبة الذي استغرق تجديده عدة سنوات، أعني حتى سنة 1930 م وكذلك بناء مدرسة النجاح التي تأسست سنة 1931 م وكذلك كان من أثره الأدبي إجبار نساء البلدة وفتياتها على عدم الخروج متبرّجات من بيوتهن إلى الاختلاط بشبّان القرية، ومغازلة فتياتها، لاسيما أيام الأعياد والاحتفالات العامة. ولقد قاوم الشيخ الزاوية التجانية مقاومة عنيفة بكل وسائله الخاصة. كما ترك الشيخ عمّار بن لزعر تلامذة في قمار، وقد ساعد الحظُّ بعضهم فرحلوا إلى تونس في طلب العلم، والزيادة منه، وانخرطوا في سلك تلامذة الزيتونة، ورجعوا إلى بلادهم مزوّدين بثقافة عربية دينية إصلاحية، فعملوا على نشْر العلم وبث الإصلاح في قمار وفي غيرها من القطر الجزائري، منهم الشيخ علي بن ساعد، وعبد القادر الياجوري، والحفناوي هالي، والطاهر التليلي . (4) اتخذ الشيخ عمّار من مسجد الطلبة ومنزله مركزا لإشعاع العلم المبني على أساس كتاب الله، وسنة رسوله، وعمل السلف الصالح حتى أصبح للمسجد الذي يدرس به الدور الفعال، فقصده الناس للتلقّي والتحصيل، وكان رحمه الله يدرّس التفسير والحديث، والفقه المالكي، وأصوله، والعلوم المتصلة بالقرآن الكريم، واللغة العربية، والقواعد والبلاغة، والمنطق، وعلم التوحيد.. أخرج جيلاً من المصلحين علّمهم بعد أمية وجهالة، وبذلك أنقذ مجموعة كبيرة من براثن الجهل والتخلف، وممّا يُجمع عليه العديد من أهل قمار الذين تتّبعوا الحركة الإصلاحية بها إلى أن الفضل في قيام هذه النهضة يرجع لله أوّلاً ثم إلى الشيخ عمار بن لزعر بفضل جهوده الطيبة التي أثمرت، وأفكاره الإصلاحية التي استغرقت إحدى عشر عامٌا قضاها مدرّسٌا، وواعظًا. هجرته إلى البقاع المقدّسة في عام 1352 ه أدّى فريضة الحجّ ورجع إلى مسقط رأسه قمار، في هذا الظرف تزايدت عليه مضايقات فرنسا وأذنابها فآثر الهجرة إلى المدينةالمنورة، وهناك من يؤكد على أن الحاكم العسكري بالوادي، وبإيعان من القائد بقمار وأتباع الطرقية وأهل البدع منْ أمر بنفيه من التراب الجزائري (5)، وأن لا بقاء في وسط بلدته.. هذا الوسط الجاحد، وذلك خشية على أهله وذريته من الفتن وكان ذلك سنة 1353 ه الموافق لسنة 1937 م إذْ هاجر مع جمْعٍ غفيرٍ واستقرّ في المدينة المنوّرة.. لقد كان يوم رحيله يوما مشهودا اجتمع فيه الكثير من الناس فمنهم الفرحِ ُبخروجه، ومنهم الباكي، ولمّا حان وقتُ رحيله صعد له بعض أعدائه إلى السيارة، وطلبوا منه العفو، وناشدوه القرابة وصلة الرحم، فقال لهم: لقد أخرجتمونا، وقاومتمونا، الله بيننا وبينكم، الله حسْبنا، نعم المولى ونعم الوكيل . جهوده العلمية بالمسجد النبوي في المدينة المنوّرة استقبله العلماء، ورحّبوا به، والتقت معه القلوب، واتسع نطاق معارفه، وعلموا بما عنده من علمٍ فبدأ يعطي دروسه حتى اشتهر وذاع صيته فرشّحوه مدرسا رسميا بتاريخ 01/01/ 1366 ه وعقد للعلم وأهله سوقًا نافعًا فالتفّ حوله طلاب العلم من المدينة المنوّرة ومن المهاجرين إليها؛ ومن أشهر تلاميذه الشيخ المرحوم محمد الحركان وزير العدل السعودي، والشيخ العلاّمة عمر فلاته المدرس بالمسجد النبوي الشريف، والشيخ القاضي عطية محمد سالم المدرس بالمسجد النبوي الشريف، والأستاذ الأديب حمزة محمد قاسم. وأفاد بعلمه ليس في المسجد النبوي الشريف فحسب، بل بمجرّد استقراره بالمدينة المنوّرة اشتغل بالتدريس في مدرسة العلوم الشرعية بالقسم العالي من التعليم في السعودية، ودرّس بها ما يقارب العشرين عامًا، درّس الحديث وعلوم القرآن، واللغة العربية، وكذا فقد عُيّن مدرّسًا بدار الحديث بالمدينة المنوّرة.. واستمر مدرّسًا بالمسجد النبوي الشريف حتى قبل وفاته بسنوات قليلة. توفي رحمه الله بالمدينةالمنورة سنة 1968 م.