علي بن سعد القماري من رجال الحركة الإصلاحية الوطنية في الجزائر على غرار رفاقه من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حيث كان من المعارضين الشرسين للاستعمار الفرنسي بالجزائر، إذْ زُجّ به في السجن العديد من المرّات . المولد والنشأة وُلد في '' قمار '' سنة 1327 ه الموافقة لسنة 1907 م. ونشأ بها ، وأخذ القرآن الكريم بها عن الشيخ الأخضر بن الحبيب بوجلخة ، كما أخذ المبادئ الدينية الفقهية في نفس البلدة عن الشيوخ أحمد القّا، واللقّاني، ومحمد بن البريّة، وكذلك عن الشيخ عمار بن الأزعر واستفاد من هذا الأخير كثيرا.(1) الدراسة والنشاط ارتحل إلى تونس لطلب العلم بجامع الزيتونة سنة 1927 م فبقي بجامعها المعمور إلى سنة 1933 م( 2)،1932م (3) حيث حصل على شهادة التطويع ليرجع إلى بلدته قمار، فدرّس بها مدّة ليست بالقصيرة، ثم غادرها إلى مدارس جمعية العلماء في بسكرة، ثم باتنة، ثم وهران، ثم سيدي بلعباس، قم غليزان. عاد بعد هذه المحطّات من جديد إلى بلدته ''قمار'' مكث بها مدة، منقطعًا عن التدريس إلى أن طلبه الشيخ عبد العزيز الشريف الهاشمي ليعيّنه مدرّسًا في معهد الزاوية الهاشمية بالوادي في سنة 1938م قبيل الحرب العالمية الثانية التي خلالها أغلقت الحكومة الاستعمارية الفرنسية هذا المعهد، وزجّت ببعض رجاله في السجن بتهمة التآمر على الحكومة والعمل ضدّها مع دول المحور، فكان علي بن ساعد من هؤلاء إلى جانب الشيخ عبد العزيز الشريف، والشيخ عبد القادر الياجوري. بقوا في سجن الوادي مدّة ثم نُقلوا إلى سجن الكدية بقسنطينة حيث قبعوا به ما ينيف عن الثلاث سنوات ونصف ليُفرج عنهم ليعود علي بن ساعد إلى التدريس من جديد في مدارس جمعية العلماء في مدينة بوفاريك قرْب العاصمة الجزائرية، وبلدة الشراقة ضاحية العاصمة. تزوّج من أسرة محترمة من أسر مدينة البليدة، وبقي بأهله فيها حتى حصول الجزائر على استقلالها حيث انضمّ إلى سلك التدريس من جديد كأستاذ للتعليم الثانوي في عدة ثانويات، وآخر ثانوية كان يدرّس بها هي ثانوية الأمير عبد القادر قرب حي باب الوادي حيث أُصيب بالسكتة القلبية . كان رحمه الله شرسًا في مقاومته للبدع والضلالات، وصلبًا في مواجهة السلطة الاستعمارية الفرنسية..وقد أصدر جريدة ''الليالي'' في العاصمة الجزائرية 1936 م إذْ كان قلمه سيفًا مسلطا على رقبة السلطة الفرنسية في الجزائر ، وما لبثت هذه أن أوقفتها عن الصدور. انتقل إلى جوار ربّه وهو يواصل رسالته في مرحلة '' الجهاد الأكبر '' أستاذا معلّمًا لأبناء الجزائر المستقلة '' شهيد العلم والمعرفة '' مثلما كان مجاهد العلم والمعرفة قبل الثورة، ومجاهد الوطنية أثناء الثورة. تُوفّي يوم الجمعة 17 من محرّم الحرام سنة 1394 ه الموافقة ليوم 08 فيفري 1974 م عن سنٍّ يناهز 67 سنة إثر سكتة قلبية أثناء إلقائه الدرس في القسم أمام تلامذته بإحدى ثانويات الجزائر العاصمة. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وجازاه خير الجزاء عمّا قدّمه لهذه الأمة. مقاطع من خطبة له ''إن الله عندما أبرزنا إلى الوجود خلقنا أحرارا في ذرّاتنا، أحرارًا في أفكارنا، أحرارا في عقيدتنا؛ وما ذاك إلاّ لبعدنا عن الوقوع في هاوية التقليد، لأن المقلّد لا إيمان له، وهبْ أنه له بعض الإيمان فهو ليس بقادرٍ على النضال والدفاع عنه وقت الخصام، وكفانا على ذلك شاهدا ودليلا قول المولى جلّ وعلا : { لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ قدْ تبيَّنَ الرُّشْدُ من الغيِّ .} وعدم الإكراه في الدين هو عدم إلزام أحدٍ باتباعه اتّباعًا تقليديا، لا عن تبصُّرٍ وتفكيرٍ. إن من الآفات التي تقعد بالأمم عن الأخذ بأسباب النهوض هي من غير شكٍّ عدم إرسال النظر فيما من شأنه أن يذود عن كيان الأمة، ويبعث فيها الشعور ، والإحساس اللذيْن بهما يعرف بنو الإنسان الواجب عليهم فيهبّوا مسرعين للقيام بأدائه، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ولا مقالة عاذلٍ.. ولا يقوم بأداء الواجب إلاّ أحرار الفكر؛ فحرية التفكير تبعث في الشخص الفهمَ، ومنْ فهم شيئا اعتقد، ودافع عنه، وصار عنده واجبًا لا بدّ من حمايته، والذبّ عنه . حرية الفكر هي أساس النجاح، والباعثة على الفلاح، فإذا تكوّنت في أمة من الأمم صيّرت فيها رجالاً أحرارًا، لا يخضعون لسلطانٍ إلاّ لسلطان الحقّ، ولا لقوّة إلاّ لقوة الحقّ فتمتلئ قلوبهم إيمانًا ويصبحوا إلاّ منهم أركانًا. فما على قادة الأمة وهداتها المرشدين إلاّ أن يسعوْا سعيا جديًّا لإنقاذ أمتهم التي يعتبرون حياتها حياة لهم، وموتها موتًا لهم من هاوية التقليد، وأن يأخذوا بيدها إلى ميدان حرية التفكير، ويكون إرشادهم إلى ذلك بالغ الحدّ بتفهيمهم بالأدلّة العقلية، والبراهين المدعّمة بالحجج القطعية. فمنْ أخذ عنكَ فكرة تقليدية، فلا تحسبْه يجود بنفسه للمدافعة عنها فيما إذا دعت الحال إلى ذلك السبيل.'' حواشي: 1( الشيخ تليلي محمد الطاهر/ مجموع مسائل تاريخية متفرّقة./( مخطوط). 2( المرجع السابق. 3( سعد الشير العمامرة، أحمد بن الطاهر منصوري/ أعلام