قوام هذا الدين الحب.. حب الله وحب ورسوله وحب الخير للناس أجمعين، وقد سبقت عناية الله لعباده أن خلقهم واستخلفهم في الأرض وأحب الصالحين منهم الذين استجابوا لأوامره وقاموا بعمارة الأرض بالمحبة والسلام، فقال سبحانه وتعالى فيهم: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، فذكر حبه سبحانه وتعالى لعباده أولاً، ثم عطف عليه حبهم له، فلولا أن الله أحبهم ما أحبوه. وقد خلق الله بني آدم وبث في قلوبهم المحبة فصار كل واحدٍ منهم يحب أبويه ويحب زوجته وأبناءه ويحب أصدقائه وجيرانه، وجعل الإسلام التعبير عن هذا الحب بمختلف الصور أمر محمود لأنه يشيع روح المحبة والود والتآلف والاستئناس في المجتمع مما ينعكس تحقيق مراد الله فينا في عمارة الأرض. وعلمنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن الحب لله وفي الله هو أرقى أنواع الحب وأخلصه وأصفاه، لأنه منزه عن الأغراض الدنيوية والمصالح، بل عده من كمال الإيمان فقال: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان)، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمل القلب وهو (الحب والبغض)، قبل عمل الجوارح وهو (الإعطاء والمنع)، لأن المحب لمن أحب مطيع فإن كان حبك لله صادقًا لأطعته سبحانه وتعالى. وهناك فرق كبير بين عبادة الله عز وجل خوفًا منه أو طمعًا في جنته سبحانه، وبين عبادته حبًا فيه سبحانه وتعالى.. فالأولى وصفها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأنها عبادة العبيد الذين يرجون الأجر والثواب والأمن من العقاب، أما الثانية فوصفها بأنها عبادة المحبين الأحرار لأنهم تحرروا فيها من الطمع في جنة أو خوفًا من نار، ولا يرجون إلا رضا الله سبحانه وتعالى الذي أحبوه. ومحبة الله سبحانه وتعالى تدخل العبد تحت ظل الرحمن سبحانه وتعالى يوم تدنو الشمس من الرؤوس، قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي). ولا يجد المؤمن حلاوة الإيمان حتى يحب .. ولكن من يحب؟ .. إنه حب الله ورسوله .. إنه الحب في الله قال حبيبنا عليه الصلاة والسلام وعلى آله: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار). وحثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التعبير عن مشاعر الحب تلك في أكثر من موضع فقال: (إِذَا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرُهُ أنَّهُ يُحِبُّهُ)، وأقسم عليه الصلاة والسلام وعلى آله وهو الذي لا ينطق عن الهوى: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم).. ومن السلام التعبير عن مشاعر الحب للآخرين بالقول والفعل. فأحبوا الله سبحانه وتعالى وما أمرنا به، وأحبوا نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء وأمرنا به، وأحبوا إخوانكم في الله، وأحبوا الكائنات جميعًا فإنها من صنع الله.. تجدوا حلاوة الإيمان.. واملأوا الكون بالحب فإن في الحب حياة للقلوب.