الدعاء هو عبادة تقوم على سؤال العبد ربَّه والطلب منه، وهو عبادة من أفضل العبادات التي يحبها الله خالصةً له ويكره أن يصرفها العبد إلى غيره. ومع ذلك حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء على النفس أو الأولاد، إذ يكون في لحظة يستجيب الله فيها الدعاء، وذلك لما رواه جابر _ رضي الله _ أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم). فالإنسان عجول بطبعه، كفور في أكثر أحواله، كثير الجدل حتى مع نفسه، يغضب أحيانًا لأتفه الأسباب، ويثور على من يغضبه حتى ينسى ما فعله به من صنائع المعروف، وما يُخفيه له من الاحترام والحب فيسبّه ويشتمه ويدعوا عليه بالويل والثبور والهلاك وعظائم الأمور. فالرسول -صل الله عليه وسلم- يقول لنا بدافع من الحق العميق والود الرفيق :(لا تدعوا على أنفسكم) أي بالشر في وقت الغضب أو وقت الشعور بالنكد واليأس والجزع؛ فإن المؤمن يطرد من نفسه بنفسه أي شبح من الأشباح المثبطة للعزائم والهمم، والمنافية للتوكل على الله والثقة بفضله، ويعالج نفسه بنفسه من تلك الآفات التي تعكر صفو الإيمان وتكدر حلاوة اليقين. وقوله،: (لا تدعوا على أولادكم)، أي لا تدعوا عليهم إن أساءوا إليكم، أو قصروا في واجب من واجباتكم أو رأيتم منهم ما لا يسركم؛ فإن ذلك ليس من الحكمة في شيء، ولو دعونا لهم بالهداية والتوفيق لكان ذلك أجدى لنا ولهم، فإن حنان الأبوة يتنافى مع الدعاء بالشر على من هم قرة الأعين وفلذات الأكباد. وأضاف النبي -صل الله عليه وسلم- قوله: (ولا على أموالكم)، فالمال عصب الحياة وشريانها الحيوي، وعمودها الفقري وطاقتها الفعالة وأساسها المتين. وعلل النبي -صل الله عليه وسلم- النهي عن ذلك بقوله: (لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم) أي: لئلا توافقوا بدعائكم ساعة منحة من الله تبارك وتعالى _ تكون فيها أبواب السماء مفتوحة، فيستجب لكم فيما سألتموه فتندمون على ذلك، حين لا ينفعكم الندم.