بقلم: فادي عيد بعد سقوط بغداد عام 2003م التفتت طهران لليمن كما التفتت للشام وشرق الخليج. وباليمن بدأ تصدير الثورة الخمينية إليها عن طريق دعم واحد من أبرز زعماء الزيدية وقائد حركة الحوثيين ألا وهو (حسين بدر الدين الحوثي) إلى أن تطور شكل الدعم غير المباشر من دعم مادي وفكري الذي اعتمد على محاولات التقارب بين المذهب الشيعي والزيدي باليمن منذ أواسط التسعينات، إلى دعم عسكرى مباشر بعد غزو أمريكا للعراق. وبعد مقتل (حسين بدر الدين الحوثي) على يد الجيش اليمنى بعد صراع طويل، أمرت الحكومة الإيرانية إطلاق اسم (حسين بدر الدين الحوثي) على أحد شوارع طهران على غرار ما حدث مع الإرهابي (خالد الأسلامبولي)، وهو الأمر المعتاد المتبع من نظام الملالي تكريما لعملائهم في المنطقة العربية بعد مقتلهم، ويبدو أن هناك شوارع عديدة أخرى في طهران في انتظار تسميتها على أسماء عملاء جدد. وقبل أن تأتي طهران بخطوة الحسم في اليمن كانت الخطوات التمهيدية بمنطقة القرن الافريقي، فلدى منطقة القرن الأفريقي أهمية خاصة لدى مربع عمليات الشرق الأوسط بحكم وجود مضيق بابا المندب بها وهو المضيق الذى يمثل الشريان للبحر الأحمر وقناة السويس، كما أن اليمن تعد البوابة الجنوبية للمملكة العربية السعودية والمنفذ الواسع على بحر العرب، وجاءت أولى الخطوات التمهيدية من قبل طهران بعام 2009م، بعد انعقاد القمة الإيرانية الجيبوتية بالعاصمة جيبوتى بين رئيس الجيبوتى (إسماعيل عمر جيلا) ونظيره الإيراني (محمود أحمدي نجاد) وهي القمة التى انتهت بتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين وهو الزمر الذى تسلل من خلاله العديد من عناصر الحرس الثوري إلى أراضي جيبوتي، وبناء مراكز للتدريب بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضا للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي، وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين في جامعات طهران، وتقديم بعض المساعدات المالية وغيرها، ثم توالت الزيارات سواء من الرئيس الإيراني أو مسؤلين بارزين إلى دول القرن الإفريقى وشرق إفريقيا، مستغلين في المقام الأول الحالة الاقتصادية المتردية لدول القرن الإفريقى، والآن باتت سفن إيران الحربية ترسو في ميناء جيبوتي، بجانب كثرة التلميح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية بجيبوتي. وفى إريتريا جاءت الخطوة قبل الأخيرة بعد إنشاء الحرس الثوري معسكرات تدريب للحوثيين بالاتفاق مع الحكومة الإريترية فى كلا من منطقة ساوى، ومنطقة الساحل الشمالي القريبة من منطقة إبريطي، وميناء عصب الذي يعتبر نقطة رئيسية لتهريب الاسلحة من أريتيريا إلى محافظة صعدة معقل مليشيات الحوثيين. وبالسنوات الأخيرة أعلنت الحكومة اليمنية أكثر من مرة عن اعتقالها لشبكات تجسس إيرانية، وقوارب إيرانية محملة بأسلحة ومتفجرات وصواريخ مضادة للطائرات تأتى لمعسكرات الحوثيين، حتى رأينا مؤخرا ما تمتلكه مليشيات الحوثيين من أسلحة وعتاد يفوق عتاد الجيش اليمني بمراحل. * كماشة الحوثيين وإذا كانت إيران أعدت كماشة في اليمن بجماعة الحوثيين من الشمال والتي يتم تدريبها على القتال في معسكرات داخل أريتريا، وجماعة (الحراك) من الجنوب، والتي أقامت مؤخرا معسكرات تدريب جديدة في جبال حبان وفي منطقة عزان في شبوة، ويقود هذه المعسكرات القائد الميداني (أحمد لشبق) فقد باتت إيران الآن تطرحهم على الرأي العام وساحة السياسة الدولية، بعد أن دشنت لهم طهران قنوات فضائية تبث من بيروت تحت إشراف حزب الله اللبناني وهم قناة (المسيرة) التي تعبر عن جماعة الحوثيين وقناة (عدن لايف) التي تعبر عن رأي جماعة (الحراك)، فمن الواضح أن إيران دخلت في مراحل متقدمة من تنفيذ عملية (حرث اليمن) والتى تعتمد في المقام الأول على زرع القلاقل، والعمل على إدخال الأحزاب والجماعات السياسية باليمن في حرب مستمرة، وإنهاك جميع القوى في الوقت الذي يتم فيه دعم الحوثيين وزيادة نفوذهم في نفس الوقت، فكما نعلم جميعا أن من يملك السلاح هو الذي يحكم، وما تمتلكه جماعة الحوثيين من سلاح، وإعدادهم الجيد على حرب العصابات والشوارع يرجح كفتها عند الدخول في أي مواجهه حتى ولو كانت أمام الجيش اليمني نفسه، وقد تخلق لنا عملية (حرث اليمن) في غضون شهور قليلة بعد إزالة كل ما هو على الأرض تمهيدا لزراعتها من جديد، دولة جديدة بجيشها داخل الدولة اليمنية نفسها، على غرار حزب الله فى جنوبلبنان، لكي تزداد الألغام بالمنطقة أكثر وأكثر. جدير بالذكر أن هناك محاولات كثيفة ومستمرة لتشييع تلك الدول بشكل ممنهج ومنظم، سواء على مستوى القادة والنخب بتلك الدول أو على المستوى الشعبى، وأتذكر جيدا لحظة تفاجأ فيها أغلبنا عندما تم نشر أخبار تفيد بأن الحرس الخاص لرئيس دولة جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية السابق (أحمد عبد الله محمد سامبي باعلوي) ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني، ثم إعلان الرئيس القمرى تشيعه في عام 2008م. إضافة إلى ذلك الكم الهائل من المراكز الثقافية والمنظمات والجمعيات الأهلية التى يتم افتتاحها بشرق وغرب افريقيا لنشر الفكر الشيعي. فإذا كان جنوب أريتيريا ساحة خصبة لتحركات عناصر سازمانى أمنيات فلكيسار (مخابرات الدولة والتنظيم الأمني الإيراني) فتواجد الموساد الإسرائيلي بشمال أريتيريا يسير بالتوازي لما يحدث بجنوبها. ومغفلا من يتخيل أن تحركات إيران في تلك المنطقة وما يحدث في اليمن الآن أمر مفاجئ للولايات المتحدةالأمريكية، فلا أستبعد مطلقا أن تكون واشنطن نفسها هي من يعطي الضوء الأخضر لطهران لكي تتحرك على غرار ما حدث في حرب أفغانستان 2001م وحرب العراق 2003م، وتصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة باعتراض أي عقوبات جديدة على طهران في ذلك التوقيت هي تجسيد فعلي للمباحثات السرية التي تمت منذ عامين تقريبا بالعاصمة العمانية مسقط بين طهرانوواشنطن، واستكمالا لتصريحات أوباما التي أطلقها بعد مؤتمر أيباك عندما قال يجب على أصدقائنا السنة بالمنطقة أن يستوعبوا العلاقات الجديدة بين واشنطنوطهران، وهنا سندرك حجم وطبيعة المشهد الحالي الكارثي لليمن وهو بين أنياب خامنئي.