العمل الصالح هو العمل المرضي عند اللّه تعالى، ومنزلة العمل الصالح في الإسلام منزلة عظيمة ومرتبته مرتبة عالية، واللّه جلّ جلاله وصف عباده المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح، فكلّ موضع يُذكر فيه الإيمان يكون مقرونا بالعمل الصالح، ذلكم أن الإيمان المتجرّد من الأعمال الصالحة لا يغني عن صاحبه شيئا. قال اللّه تعالى: {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}. قال ابن كثير رحمه اللّه في تفسيره للآية: لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه اللّه: (القاعدة الجامعة في عملنا أن يكون صالحا يرضاه اللّه سبحانه، وليكون كذلك يجب أن يكون عملنا تحقيقا لإيماننا، ففي القرآن خطاب لنا نحن جند اللّه ب {يا أيّها الذين آمنوا}. فإذا ورد ذكر جند اللّه {وهم الذين آمنوا} في معرض المدح والتزكية والتبشير اقترن اسمهم بوصف صلاح الأعمال فقال القرآن {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}. فالعمل الصالح قرين الإيمان في كتاب اللّه، في ثمراته وجزائه، فليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، لكن الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل. شروط قَبول العمل الصالح الأوّل: الإخلاص للّه، أي إرادة وجه اللّه تعالى بكلّ الأعمال، سواء كانت قلبية كالحبّ والبغض الذي قال عنه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (من أحبّ للّه وأبغض للّه وأعطى للّه ومنع للّه فقد استكمل الإيمان)، أو من أعمال الجوارح الظاهرة والباطنة، وقد قال جلّ وعلا: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}. الثاني: أن يكون وفق شرع اللّه وعلى منهاج رسول اللّه، (وهو ما يطلق عليه المتابعة، أي متابعة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم). وقد جمع اللّه تعالى هذين الشرطين في قوله عزّ وجلّ: {فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا). الثالث: طيّب المأكل، فإن اللّه جلَّ وعلا بعث رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ليحلّ لنا الطيّبات ويحرّم علينا الخبائث، وقد قال صلّى اللّه عليه سلّم: (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ الذي يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ -تذلّلا وخضوعا له لكن حال بينه وبين قبول دعائه أن مَأكله حَرَامٌ- وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ). يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه اللّه: (الحلال في توفية الكيل والميزان، والعصر عصر غشّ ودعاية وإشهار كاذب، الحلال ألا يكون المال دولة بين الأغنياء وأنظمتنا تحت نير الطاغوت طبقية، الحلال أن تقوم فينا صناعة وتجارة يسهر عليها رجال نشطون صادقون ينصفون شركاءهم وعمالهم، فأين الذمم الصادقة والخبرات والقدرة على الإنشاء والتسيير؟). الرابع: الاستقامة على العمل والمداومة عليه، فإن المستقيم على الطاعة يدلّ على قناعته بها ورضاه بها واطمئنانه لها: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}. جزاء العمل الصالح اعلم أخي أن اللّه جلَّ وعلا قد وعد العاملين الصادقين المخلصين ثوابًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، فمن ذلك: أ - دخول الجنّة: قال اللّه تعالى: {وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. ب - اطمئنان القلب وسكونه: قال عزّ وجلّ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. 3 - الفلاح والفوز: قال اللّه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ}. 4 - حصول محبّة اللّه للعبد: قال اللّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا} . 5 - الأمن والاستقرار والتمكين في الأرض: قال عزّ وجلّ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. إن الأعمال الصالحة لا تنحصر في عبادة معيّنة ولا في ميدان ضيق، بل أعمال عامّة ومجال واسع وشمولية في أمور الدين والدنيا، فالأعمال الصالحة تشمل ما يُصلح الدين والدنيا وما تستقيم به الحياة وما نلقى اللّه به. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه اللّه: (نريد أن يكون سلوكنا على بصيرة واتّباع، ونريد أن تكون الدعوة دعوة إلى اللّه، لا مجرّد دعوة للإسلام أو مجرّد دعوة للجهاد. فإن ذكر الغاية -وهي وجه اللّه تعالى- والتذكير بأن الأمر سير وسلوك ومراحل زمنية مداها عمر الفرد واستمرار الرسالة إلى يوم القيامة يعطينا تصوّرا متحرّكا للإسلام، يصوّر لنا الإيمان مجموع علاقات بين العبد وربّه وبين العبد والنّاس، ثمّ بين جماعة المؤمنين المخاطبة بالقرآن وبين سائر بني الإنسان، ثمّ يصوّر لنا معنى كل ذلك ومعنى المبدأ والمعاد والدنيا والآخرة).