أكثر ما يدفع الإنسانَ إلى جهنم لسانُه! إلى الدرجة التي جعلت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقْصُر الأسباب الدافعة إلى دخول النار عليه؛ فقد روى الترمذي -وقال: حسن صحيح- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ). وآفات اللسان كثيرة، ومنها الغيبة، والنميمة، واللعان، والفحش، والكذب، والمراء، والكلام فيما لا يعني، والافتخار، والخداع، والغش، والسخرية، والمزاح بغير الحقيقة، وغير ذلك مما لا يُحْصَى من الذنوب، وتجنُّب الوقوع في كل هذا صعب للغاية؛ ومن ثَمَّ فلا نجاة للعبد إلاَّ بكثرة الصمت، وهي سُنَّة نبوية حافظة وواقية من جهنم، وعلامة على صدق الإيمان؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ..). ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم عن الخطأ، ومع أن وظيفته النبوية تتطلَّب الكلام للإبلاغ والتبيين، فإنه كان قليل الكلام، كثير الصمت، وقد روى أحمد -بسند حسن- عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَكَانَ طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ، وَأَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ). وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ (يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأَحْصَاهُ). أي لقَدِرَ السامعُ أن يُحْصِيَ كلماته لقِلَّتِهَا، فلْتكن هذه سُنَّتنا، وهي سُنَّة صعبة لأن الكلام شهوة، ولكن فيها النجاة إن شاء الله.