يحرص الإسلام على رعاية الأطفال وحفظهم من التعرُّض لأي ضرر، وقد يهتمُّ الناس بحفظ أطفالهم مما يرونه من أذى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزيد على ذلك حفظهم مما (لا نراه) من مخاطر! وأعني بذلك الجنَّ والشياطين، ووسائل الحفظ منهم كثيرة؛ ومن ذلك سُنَّة ضمِّ الصبيان في البيت عند أول الليل؛ أي عند ساعة المغرب؛ فقد روى البخاري عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا). وفي رواية أخرى للبخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (.. وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً..). ومعنى الأحاديث أن الشياطين تنتشر عند أول الليل، وكأنها كانت مُقَيَّدة الحركة في النهار، فيكون لها نشاط كبير عند غروب الشمس، وهي خطِرة في ذلك الوقت، ويمكن أن تتسلَّط على الأطفال، إما لكونهم لا يذكرون الله عز وجل، أو لتعلُّق النجاسات بهم؛ ومن هنا كان من وسائل حماية هؤلاء الأطفال أن نضمَّهم في البيوت عند أول الليل؛ وذلك مع غلق الأبواب، لأن الشياطين -بنصِّ الحديث- لا تفتح بابًا مغلقًا. والملاحَظ أن هذا محدود بوقت أول الليل فقط؛ أي يمكن إرسال الأطفال مرَّة أخرى -إذا غلب على ظننا الأمن- بعد وقت العشاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ). وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ). وفحمة العشاء هي الظلمة في الوقت ما بين المغرب والعشاء، والحديث يُنَبِّه على حفظ الفواشي كذلك، والفواشي هي سائر البهائم، وفي الباب أحاديث أخرى لا يتَّسع المقام للتفصيل فيها.