بقلم: محمد قروش الحوار الذي ترعاه الجزائر بين الفرقاء الليبيين خطوة بارزة في اتجاه إيجاد حل للأزمة الليبية التي استعصى حلها منذ سنوات، حيث فشلت كل الحلول المقرحة لهذه الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ انتفاضة الشعب الليبي ضد نظام الرئيس المقتول معمر القذافي. لعل الجزائر بحكم تجربتها في حل الأزمات عن طريق الحوار ظلت تنادي بالحل السلمي في هذه البلاد وتشجعه إلى آخر لحظة رغم تداخل كثير من المصالح الدولية وتشابك عواملها، وهو ما أدى إلى التشويش على مساعي الجزائر من قبل كثير من البلدان التي لا تريد أن يخرج الليبيون من أزمتهم مثل مصر وفرنسا وإيطاليا لأسباب استراتيجية خفية تهدف إلى الإبقاء على الأوضاع الحالية وتسعى إلى زيادة تعفنها. المشكلة في ليبيا تظل أكثر تعقيدا بالنظر إلى عدد العناصر المتداخلة فيها، والتي يلعب فيها زعماء الميليشيات والشخصيات السياسية ورؤساء القبائل والبرلمانات والبلديات المتعددة -حتى أن عدد من استقبلتهم الجزائر فاق ال 200 شخص- وهم كلهم يؤدون أدوارا مختلفة كبيرة داخل ليبيا وخارجها، وهو ما يحتم إجراء حوارات واسعة ومضنية قبل انقشاع ضباب الخلافات السياسية والجهوية والقبلية والعرقية التي تلغم الأرض الليبية. لكن المؤكد أن الليبيين أصبحوا يدركون اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة الاتفاق حول حل سلمي يحقن الدماء ويفكك قنابل الأحقاد التي تعصف بليبيا، والتي قد يمتد لهيبها إلى الدول المجاورة مثل تونسوالجزائر، خاصة في وجود كميات كبيرة من الأسلحة المكدسة لدى كثير من الميليشيات، والتي أصبحت كميات كبيرة منها تهرب لفائدة الإرهابيين، وهو ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها. من أجل ذلك تدرك الجزائر أن حل الأزمة الليبية هو تفويت لكثير من مخططات زعزعة استقرار بلادنا، ذلك أن البعد الليبي في الاستراتيجية الجزائرية يعد بعدا محوريا لا يمكن تجاوزه لما يمثله من مخاطر كبيرة قد تفتح أبواب جهنم على الجزائر عبر حدود شاسعة ومدججة بالأسلحة ومحملة بالمخدرات والعصابات العابرة للحدود. كل هذه المعطيات تعطي لهذا الاجتماع أهمية قصوى داخليا وخارجيا وجهويا ودوليا، وكما نجحت الجزائر سابقا في جميع كثير من الفرقاء في مالي والقرن الإفريقي حول طاولة الحوار يمكن أن يكون هذا الاجتماع هو مفتاح الأزمة الليبية التي أحرقت البلاد والعباد لسنوات طويلة.