العالم بأسره منشغل هذه الأيّام بمتابعة الاكتشافات الخارقة التي يقدّمها موقع ويكيليكس الإلكتروني، وهي اكتشافات أحدثت زلازل سياسية عنيفة في العديد من بلدان العالم بالنّظر إلى المفاجآت الكبيرة التي حملتها· مفاجآت شبّهها البعض بأحداث الحادي عشر سبتمبر التي غيّرت وجه السياسة الدولية وأسّست لتقاليد جديدة في العلاقات بين الدول· حيث يتابع الجزائريون يوميا ما تحمله الوثائق التي ينشرها موقع ويكيليكس، سواء بطريقة مباشرة من خلال الاطّلاع على الموقع أو بعض المواقع التي تعيد نشر ما ينشره أو من خلال متابعة ما يُنشر في الصحافة الوطنية والدولية· ومن المثير أن يتعامل الإعلام الوطني والدولي مع وثائق ويكيليكس كما لو أنها وثائق معصومة من الخطأ لا تحمل إلاّ الصواب وحده وليس فيها غير الحقيقة، مع أن الأمر يتعلّق غالبا بمراسلات أمريكية أمريكية، وهي من دبلوماسيين أمريكيين يشتغلون في بلدان مختلفة إلى واشنطن، وهؤلاء بشر غير منزّهين من الكذب، بل إن بعض الوثائق حملت من الشتائم الأمريكية القاسية في حقّ زعماء وساسة دول أخرى، وهو ما يحمل رائحة تصفية الحسابات السياسية· ما من شكّ في أن الوثائق التي كشف ويكشف عنها الموقع المذكور تحوز أهمّية بالغة جدّا وترفع الستار عن حقائق تُعرف للمرّة الأولى، لكن من الخطأ التعامل معها بقداسة كما لو كانت كتابا منزّلا من السّماء واعتبار فحواها الحقيقة المطلقة التي لا تقبل أيّ جدل، خصوصا وأن ما جاء في هذه الوثائق حتى الآن لا يضرّ أمريكا في شيء رغم أنه يفضح بعض ممارسات عملائها في الشرق الأوسط وغيره، ورغم أنه يبيّن نظرة التعالي والازدراء التي ينظر بها كثير من الدبلوماسيين الأمريكيين إلى البلدان التي يشتغلون فيها، وهي نظرة نابعة من عقدة التفوّق التي تلازم عددا غير قليل من ساسة أمريكا التي تحكم العالم وتفضح عملاءها ولا تهمّها غير مصالحها·