الطفل الحالم بتغيير العالم من خلال كشف الحقيقة العارية يلخص جوليان بول أسانج مؤسس الموقع الإلكتروني الأكثر شهرة و إثارة للجدل "ويكيليكس" عمله أنه وضع وسيلة تكنولوجية بيد الناس ليعرفوا الحقيقة عارية و بشفافية، و يعتقد أن تلك هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع مشاكل العالم الحالية. الشاب الأسترالي المولود في 03 جويلية 1971 بمدينة طاونسفيل بمقاطعة كوينزلاند الأسترالية يقول أن كل الإيديولوجيات فاشلة و مرتشية و لا يخفي رفضه لليمين و اليسار على حد سواء. "هدفنا هو إيجاد حضارة عادلة، يبدو الأمر متعلقا بهدف شخصي بينما الرسالة وراء عملنا هي الشفافية، ومن المهم للغاية عدم الخلط بين الهدف و الرسالة التي نعتقد أنها رسالة نبيلة. الحصول على العدالة من خلال الشفافية و هي طريقة جيدة للحصول على ذلك، كما أنها طريقة لعدم الوقوع في أخطاء كثيرة، لدينا ايديولوجية عابرة للسياسات. ليست يمينية و لا هي يسارية بل هي مرتبطة بالفهم. فقبل أن تقدم أية نصيحة، و أي برنامج حول كيفية التعامل مع العالم، كيف تضع المدنيين في قلب الحضارة، كيف تؤثر في الناس. قبل الحصول على هذه القدرات، أولا عليك أن تفهم ما يجري حاليا... و قبل أي برنامج أو توصية، كل سياسة تنبع من سوء الفهم ستكون هي بحد ذاتها غير مفهومة. إذن نقول إلى حد معين كل الإيديولوجيات السياسية هي الآن فاشلة و مفلسة، لأنها لا تملك الأداة الأساسية لمخاطبة العالم. الأداة التي لا غنى عنها لفهم ما يجري حاليا في العالم." أسانج الذي يقدم نفسه ببساطة على أنه أحد أعضاء إدارة الموقع الإلكتروني "ويكيليكس" الذي أنشأه سنة 2006 يحرص في كل مرة على التأكيد انه يريد نشر كل المعلومات التي لا ترغب الحكومات في ظهورها لجعل تلك الحكومات مفتوحة، و قد بدأ المهمة بنشر وثائق عن عمليات القتل خارج إطار العدالة في كينيا، و رمي النفايات السامة في سواحل إفريقيا و كنيسة "الساينتولوجي" السرية التي نشر كتيباتها و تعاليمها و طقوسها، كما نشر الموقع و ثائق عن إجراءات الاعتقال في غوانتانامو و أسرار بنكين هما كوبثينغ و جوليوس باير.لكن الفتوحات الكبرى كانت مع نشر الموقع لوثائق مفصلة عن الحرب في أفغانستان و في العراق و الحصيلة التفصيلية للعمليات العسكرية التي تجري على الساحتين بما فيها عشرات عمليات الاعتقال و القتل التي جرت في العراق خارج الأطر النظامية للحرب.أسانج بعد نشره البرقيات السرية للخارجية الأمريكية قفز بموقعه من خانة الطفل المثير للشغب ليصير الرجل المثير للمتاعب، فقد سارعت كبريات المؤسسات الواقعة تحت نفوذ الساسة في بلاد العم سام إلى التحالف ضده تارة بتجميد التعاملات المالية التي يقوم بها موقع ويكيليكس مثل شركتي "باي بال" و "ماستر كارد" و بالطبع "بنك اوف اميركا" و تارة بحجب صفحات الموقع على شبكة الانترنت و مطاردتها عبر الصفحات المرآة التي فتحت له بعد إعلان الزلزال الكبير الذي أحدثه برقيات الخارجية الأمريكية في ساحة الدبلوماسية و العلاقات الدولية. و أحيانا بالدعوة الصريحة إلى اعتباره إرهابيا يهدد الأمن القومي الأمريكي و خطرا على السلام في العالم و محاكمته.يربط بعض المتابعين للموضوع بين طفولة أسانج في أستراليا و المتسمة بعدم الاستقرار و بين رغبته في جعل العالم أكثر انفتاحا و شفافية فهو يقود "بيريسترويكا" و "غلاسنوست" القرن الحادي و العشرين بفعل التكنولوجيا من قبيل توفير ما حرم منه للآخرين إلى حد الإشباع و التخمة. فقد تزوجت أمه كريستين و هو لم يبلغ عامه الأول من بريت أسانج الذي يحمل اسمه و هو مخرج مسرحي أدارت معه مؤسسة للمسرح السياحي و قد وصفه زوج أمه و هو أبوه الحقيقي الأول "بأنه طفل حاد الذكاء يمتلك إحساسا دقيقا بالخطأ و الصواب و يثور باستمرار ضد مظاهر الإهانة... كان يغضب كثيرا من الأشخاص الذين يعاملون الآخرين باحتقار ".في 1979 تزوجت أمه ثانية من موسيقي ينتمي لفرقة العهد الجديد و قد انجبا ولدا لكنهما سرعان ما انفصلا سنة 1982 و بانفصالهما بدأت والدة جوليان صراعا حول حضانة أخيه غير الشقيق، مما جعلها تأخذ الولدين إلى مخبأ لمدة خمس سنوات و كان على الطفل جوليان الترحال مرارا للبقاء قريبا من دفء والدته.اختار جوليان اسانج لقب منداكس لدخول عالم القرصنة المعلوماتية حينما بلغ 16 سنة و هو مأخوذ من جملة للكاتب الإغريقي هوراس حول "النبيل منداكس" أو "الكاذب النبيل" و قد ألف مع قرصانين آخرين مجموعة "المشاغبين الدوليين" و حرر أسانج القواعد الأولى لثقافة القرصنة المعلوماتية الخفية و ملخصها في ثلاث قواعد لا تلحق الضرر بنظام تشغيل جهاز الكمبيوتر الذي تقرصنه و لا حتى تجعله يتعطل عن العمل، لا تغير المعلومات التي تجدها في الجهاز إلا ما تعلق يمسح آثار قرصنتك له و القاعدة الثالثة انشر المعلومات على أوسع نطاق ممكن.بسبب نشاطه كقرصان داهمت الشرطة الفيدرالية المنزل الذي كان يقيم فيه بمدينة ملبورن الاسترالية سنة 1991 و كان متهما بالدخول إلى أجهزة كمبيوتر جامعة أستراليا و الشركة الكندية للاتصالات نورتل و القيادة السابعة للقوات الجوية الأمريكية بالبنتاغون. و قال المدعي العام الأسترالي " لا توجد هناك أدلة على ان هناك شيء يزيد عن نوع من الفضول الذكي و معرفة القدرة على القيام بالتحليق و الغوص في أعماق أجهزة الكمبيوتر المتعددة. و حذر القاضي أسانج أنه لو لم يكن لديه إضطراب في طفولته لكان أرسله إلى السجن لمدة 10 سنوات.يعلق أسانج الآن على الحادثة التي جرت قبل عشرين عاما بالقول أنها مزعجة لأنها الصقت بي صفة القرصان المعلوماتي لست خجولا من حمل هذه الصفة بل إنني فخور بها و لكن حين يصفونني بأنني قرصان كمبيوتر الآن فلهذا الوصف أسباب خاصة و محددة و غايات معينة ايضا.في سنة 1989 بدأ اسانج حياته مع صديقته التي انجب منها ولدا سمياه دانيال، و لكنهما بعد انفصالهما بدآ صراعا طويلا حول حضانة الطفل و لم يتوصلا إلى اتفاق إلا سنة 1999 و قد أوحت المعركة القضائية لأسانج بإنشاء "التحقيق الأبوي في حماية الأطفال" رفقة والدته و هي مجموعة نشطين مهمتها إنشاء بنك معلومات مركزي يشمل البيانات غير المتاحة فيما يتعلق بسجلات الأشخاص المتصارعين حول حضانة الأطفال في أستراليا.درس جوليان اسانج الرياضيات و الفيزياء بجامعة ملبورن لكنه لم يطق الانتظار لنيل شهادته و قد كان يحقق أدنى النتائج للمرور فقط إلى المستوى الأعلى، كما اهتم بدراسة الفلسفة و علم الأعصاب.بالموازاة مع ذلك كان نشاطه المعلوماتي لا يتوقف ففي 1993 أطلق أول مقدم خدمة انترنت و كان يشتغل على برمجيات الكمبيوتر الحرة و في 1995 أعد أسانج أول برنامج مفتوح المصدر و شارك في العديد من البرامج المعلوماتية المماثلة. كتب سنة 1996 مع آخرين مؤلفا عنوانه " تحت الأرض قصص عن القرصنة المعلوماتية جنون و هوس الحدود الإلكترونية" و فيه كان اسانج يحمل صفة الباحث و ذكر قصته مع مجموعة "المشاغبين الدوليين" و في سنة 1997 أوجد أسانج برنامجا للتشفير المعلوماتي يعمل مع نظام التشغيل "لينوكس" وجهه كأداة للعاملين في الميدان في مجال حماية حقوق الإنسان الذين يحتاجون إلى حماية المعلومات الحساسة التي يجمعونها في أرض الواقع و في سنة 1999 قام أسانج بتسجيل اسم المجال الإلكتروني "ليك. أورغ" كعلامة له في شبكة الانترنت "لكنني بعدها لم أفعل شيء باسم المجال ذاك" على حد قوله.كتب أسانج معللا وجود موقعه الاشهر ويكيليكس "لتغيير سلوك الأنظمة بصورة راديكالية علينا التفكير بوضوح و عزم في ذلك. هل تعلمنا شيء؟ نعم ما تعلمناه هو أن تلك الأنظمة لا تريد أن تتغير، عينا التفكير أبعد من الذين سبقونا و اكتشاف قدرة السلاح الذي توفره لنا التكنولوجيا و ما تفتحه لنا من طرق ووسائل للعمل لم تكن متاحة لسابقينا". و في موضع آخر يقول "كلما كانت منظمة معينة أكثر سرية و أكثر ظلما كلما كانت التسريبات عنها مثيرة للخوف و البارانويا (مرض التوهم النفسي) في صفوف قيادتها و ما دامت الأنظمة الظالمة تنتج حتما معارضين لها نادرا ما تكون لهم اليد العليا فإن التسريبات الكبيرة و الواسعة النطاق تترك تلك الأنظمة الظالمة عارية و مكشوفة للذين يريدون الحلول مكانها عن طريق سبل حكم أكثر انفتاحا".كانت تسريبات موقع أسانج للبرقيات السرية للخارجية الأمريكية و استمرارها سببا في حصد الفتى الاسترالي الأشقر للعديد من الجوائز الأوسمة فقد نال تأيد الرئيس البرازيلي السابق لويس اغناسيو لولا داسيلفا و وقفت إلى جانبه رئيسة وزراء بلاده جوليا غيلار بعد تعرضها لحملة ضغط شديدة من الرأي العام الأسترالي، و كان أسانج رجل السنة لدى قراء أسبوعية تايم الأمريكية لكن ادارة المجلة رأت أن تختار بدلا منه فاعلا آخر في ميدان الانترنت يقدم خدمات جليلة للحكومات على النقيض من أسانج هو مؤسس "فايسبوك" مارك اليوت زوكربرغ (26 سنة) كرجلها لهذا العام.اختير أسانج رجل العام من طرف يومية "لوموند" الفرنسية هذه السنة وحصل سنة 2009 على جائزة الإعلام من منظمة العفو الدولية في صنف وسائل الإعلام الجديدة بسبب كشفه وثائق من خلال التحقيق المعنون "صرخة الدم القتل خارج نطاق العدالة و الاختفاء القسري" في كينيا و قد عبر لدى تسلمه الجائزة انه يقدمها للمجتمع المدني الشجاع في كينيا الذي بين أن تلك المظالم كانت موثقة و حاز اسانج على جائزة مؤشر الاكونومست المتعلق بالرقابة قبل ذلك بعام.لكنه نال هذه السنة العشرات من الجوائز بعد نشر أسرار الولاياتالمتحدةالامريكية الأكثر حساسية منها جائزة سام ادامز المتعلقة بالنزاهة في الحصول على المعلومات في سبتمبر 2010 ووضعته المجلة البريطانية "نيو ستايتسمان" في الرتبة 23 من بين 50 شخصية الأكثر تأثيرا خلال سنة 2010. أسانج المتابع في السويد بممارسة الجنس مع فتاة دون استعمال الواقي و مع أخرى حينما كانت نائمة و القضية أمام محكمة إنكليزية للنظر في ترحيله إلى هناك بعد الإفراج عنه بكفالة في لندن أوائل منتصف شهر ديسمبر الجاري يواجه خطر المتابعة القضائية في الولاية المتحدةالأمريكية بموجب قانون التجسس، و قد عبر نائب الرئيس جو بايدن أن حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية تبحث كل الوسائل و الطرق التي تمكنها من وقف تسريبات وثائق كتابة الدولة للخارجية و قال " إذا كان (أسانج) قد تآمر للحصول على تلك الوثائق المصنفة سرية مع عنصر من الجيش الأمريكي فإن المسألة تكون مختلفة جذريا عما إذا قام شخص ما بصب تلك البرقيات على جهاز كمبيوترك المحمول... أنت رجل إعلام و هذه معلومات مصنفة سرية".مصدر برقيات الخارجية الأمريكية لدى ويكيليكس يشتبه في كونه أحد الجنود الأمريكيين العاملين بالعراق و قد جرى توقيفه و سجنه بينما تكفلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بإنشاء فريق عمل لمجابهة تسريبات ويكيليكس سمي "ويكيليكس تاسك فورس" (و.ت. ف) اختصارا دليلا على بداية حرب من نوع جديد في الألفية الثالثة .