على الرغم من أن ثقافة ترك المكان عبر وسائل النقل بدأت تتلاشى في مجتمعنا في الوقت الحالي على خلاف ما مضى أين كان التنافس كبيرا بين الشباب حول ترك المكان للنساء والشيوخ إلا أن البعض أبوا إلا المحافظة على الحد الأدنى من ذلك السلوك الحسن، إذ يتسارع البعض ولحسن الحظ إلى النهوض وترك المكان إذا شاهدوا رجلا مع زوجته وأطفاله احتراما للعائلة لاسيما وأن كانت المرأة تحمل رضيعا، مما يعبر على التزام البعض بصفات الاحترام والود لحسن الحظ في وقت تلاشت فيه بعض القيم. وهو المشهد الذي يمحي المشاهد الأخرى عبر وسائل النقل وهي مشاهد مخزية نوعا ما، أين نرى الشاب والطفل الصغير جالسين والعجوز والشيخ واقفين، أو جماعة من الرجال جالسين ونسوة وأوانس واقفات، لكن بذرة الخير لازالت في بعض الأشخاص الذين لا يتوانون على ترك أمكنتهم للسيدات والعجائز والشيوخ ومهما طغى الشر في زماننا هذا، فإن الخير يهزمه بإذن المولى عزو جل. وهو المشهد الذي وقفنا عليه مؤخرا بل ومرارا أين صعد رجل رفقة زوجته وثلاثة من أطفاله إلى الحافلة وكانت المرأة تحمل رضيعها فلم يتوان كهل كان برفقة شاب عن ترك المكان للرجل وزوجته وأطفاله، وشكر ذلك الرجل السيدين شكرا كبيرا، وجلس هو وزوجته وضما أطفالهما بحيث أن تيسير جلوسهما خفف عنهما مشقة التنقل مع أطفالهما، وهي عادة معروفة عند الجزائريين بحيث تحترم العائلة أثناء تنقلها احتراما كبيرا وتسهل لها الأمور. اقتربنا من بعض الركاب بالحافلة لمعرفة آرائهم ومدى تجاوبهم مع تلك الخطوة فأجمع الكل أنها خطوة حميدة تعوض العيوب الطاغية اليوم في مجتمعنا من كل جانب، وتلك السلوكات تحفظ ماء الوجه كما يقال، وهو ما عبر عنه الشيخ محمد في العقد السابع قال إنه وفي ذلك السن فهو لا يتوانى على الوقوف في حال مشاهدة امرأة واقفة وهي تحمل رضيعها أو امرأة حامل أو رجلا رفقة زوجته وأبنائه لأن ذلك يعبر عن بذرة الخير والاحترام التي لازالت صورة تطبع البعض في مجتمعنا وإن دلت على شيء فإنما تدل على شهامة الرجل الجزائري، فباحترامنا لتلك الأعراف الطيبة نبني مجتمعنا ونربي الأجيال القادمة في الوقت التي باتت تتلاشى فيه بعض المعاني الخيّرة وللأسف. أما السيدة شريفة فقالت إنه بالفعل في العادة ما تستعمل الحافلة هي وزوجها وأطفالها فعدم امتلاكهم لسيارة يجبرهم على استعمال الحافلة، ومع عسر التنقل مع الأطفال بعض المظاهر الحميدة ساهمت في تيسير الأمر وتدعو إلى التفاؤل، بحيث يتسابق البعض على ترك المكان لي ولأطفالي وزوجي كلما صعدنا في حافلة للتوجه إلى مشاغلنا وهي بالفعل خطوة ايجابية جدا التزم بها البعض في ظل تلاشي مظاهر الخير في زماننا هذا، وأضافت أنها لا تتوانى وزوجها على شكر المقدمين على ذلك الفعل النبيل. الكل تجاوب مع استمرار تلك المواقف الحسنة في مجتمعنا كونها تعبر عن التكافل والاتحاد كصفات طبعت المجتمع الجزائري منذ القدم والابتعاد عن كل مظاهر الأنانية وحب الذات التي لا تخدم الجماعة أبدا بل تهدمها.