ينظم اليوم مجلس قضاء الجزائر يوما دراسيا حول الإعلام والقضاء بعد شهر من تنظيم ندوة صحفية حول حرية التعبير بين التشريع والممارسة، والذي سيتزامن في الوقت ذاته مع انطلاق الدورة الجنائية العادية للفصل الأول التي تضم ملفات فساد من العيار الثقيل أبرزها فضيحتا الطريق السيّار وسوناطرك1، ما يفتح عدة استفهامات، خاصة وأنه سبق وأن شدد قانونيون على أن سرية التحقيق خط أحمر على خلفية نشر وسائل الإعلام لجميع تفاصيل الفضيحتين، ويبدو أن القضاة يخشون تأثير الصحافة على سير ملفات الفساد. برمجة اليوم الدراسي لم يكن من باب الصدفة، فلم يمض شهر على الندوة الصحفية التي نشطها كل من (بوبترة عبد المالك)، رئيس غرفة الأحوال الشخصية، و(بن علي فوزية)، مستشارة بالمجلس، واللذين علقا على برمجتها في هذا التوقيت بالتحديد بعد الضجة التي أحدثتها نشر تصريحات المتهمين في فضيحة سوناطراك في قنوات تلفزيونية خاصة وعدد من الصحف أنه يدخل في إطار الأيام التكوينية التي تشرف عليها وزارة العدل سنويا، وقد خصصت هذه السنة موضوع حرية التعبير، غير أن الواقع يكشف عكس ذلك، حيث تميزت الندوة التي تبعها نقاش مفتوح بإصرار شديد من القضاة والمستشارين على ضرورة تحلي الصحافة الجزائرية بالمسؤولية في نشر الأخبار المتعلقة بالتحقيقات القضائية نظرا لحساسيتها واحترام سرية التحقيقات القضائية حفاظا على حقوق المتهمين وأسرهم. حيث كشف (بوبترة) عن وجود حالات انتحار وخراب عائلات وإدمان بعض أقارب المتهمين على المخدرات بعد نشر التحقيقات التي تعنيهم في الصحف، قائلا: (وقفت خلال تجربتي في قسم الأحوال الشخصية على النتائج الخطيرة لهذه التسريبات، والصحافة مهمتها تنوير الطريق للمجتمع وليس العكس). وتساءل قاضي التحقيق الذي أشرف على ملف الطريق السيّار عن مصلحة الصحف في نشر نتائج التحقيقات قبل انتهاء الإجراءات، مؤكدا أن سرية التحقيق خط أحمر، وذهب إلى أبعد من ذلك حين تهجم على الصحافة التي نشرت صورا من قرار إحالة المتهمين، متوعدا إياها بالمتابعة القضائية وضرورة تبرير قيامهم بالتشهير بالمتهمين في حال برأهم القضاء، موضحا أن تلك الممارسات تؤثر على سير القضايا، وأشار أيضا إلى ضرورة احترام قرينة البراءة باعتبار أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته، لافتا إلى ظاهرة تشويه سمعة المتهمين بعد نشر التحقيقات ولو صدرت أحكام في صالحهم. ودعا قاض آخر إلى أخذ العبرة من التجربة الفرنسية، فقاضي التحقيق بمحكمة باريس طلب من الصحافة أن تكون مسؤولة في متابعة قضية الهجوم على الأسبوعية الساخرة (شارلي إيبدو) والمتجر اليهودي في السابع من جانفي الماضي، وكان هناك تعاون بين السلطات والصحافة في تلك الأزمة، في إشارة إلى التوجيه والتعتيم الإعلامي الذي رافق القضية. واعتبرت المستشارة بالمجلس (بن علي فوزية) أن سرية التحقيق (خط أحمر يمنع تجاوزه)، ودعت الصحفيين إلى احترام الضوابط المنصوص عليها في القانون الجزائري بخصوص هذه المسألة، لأن تجاوزها يجعلهم تحت طائلة المتابعة الجزائية إلى جانب العقوبات الإدارية الأخرى، وأكدت في تدخّلها أن الدستور الجزائري والقوانين سارية المفعول في الجزائر توفر إطارا متكاملا لحرية الرأي والتعبير بشكل أفضل مما هو موجود في دول غربية. وينتظر أن يكون اليوم الدراسي تمهيد لتحذير الصحافة من مغبة المساس بسرية التحقيقات القضائية، خاصة وأن محكمة الجنايات ستفصل بداية الأسبوع القادم في ملف الطريق السيّار.