الدكتور محمد راتب النابلسي يقول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) هذه الآية إذا كان فعل الأمر فيها فعل أمر إلا أنه أمر إباحة وليس أمر إلزام فهناك سؤال يقفز إلى الذهن مباشرة هل الأصل في التعدد الوجوب أم الإباحة؟ بمعنى هل الإسلام يوجب أن يتزوج الرجل بأكثر من زوجة واحدة أم أنه يبيح له ذلك فقط؟. الحقيقة أن الأصل في تشريع التعدد هو الإباحة وليس الوجوب إن الإسلام لا يفرض التعدد لكنه يسمح به والمقصود من تعدد الزوجات ألا تبقى امرأة في المجتمع المسلم بلا زوج حتى لا تحدث انحرافات خطيرة وينتشر الحرام ويسقط المجتمع، وهذه الزوجة الثانية ما كان لها أن تقبل أن تكون زوجة ثانية إلا لأنها لم تجد الفرصة أن تكون الزوجة الأولى إنها اختارت أحسن الفرص بالنسبة إليها لقد رأت من الأفضل أن تكون زوجة ثانية من أن تبقى بلا زوج إطلاقا، وبالنسبة للزوجة الأولى لقد رأت أنه من الأفضل لها أن تبقى مع زوجها عن أن يطلقها فهل من الخير أن تبقى في بيتها مصونة مكرّمةً أم أن تفقد زوجها وتعيش بلا زوج، إنَّ التعدد في كثير من الأحيان يكون حافظاً للزوجة الأولى وحافظا للزوجة الثانية. الحقيقة الكامنة الحقيقة لا يمكن أن يكون التعدد في الإسلام مطلقاً بل إن القرآن الكريم قيّده بشروط كثيرة يقع في مقدمتها شرط العدل ولو أن الذين تزوجوا زوجة ثانية أو ثالثة طبّقوا الشرط الإسلامي في العدل لَمَا كانت هناك مشكلة إطلاقا، إننا إذا أخذنا إحصائيات الحياة ثم افترضنا أن عدد الإناث والذكور متساويان فإن أحداث الحياة تأخذ من الرجال أكثر مما تأخذ من النساء فالمعارك والحروب يتحملها الرجال وحياة الرجل وسعية للرزق يجعله يتعرض لمخاطر أكثر من المرأة. إذا أين تذهب الإناث الباقيات ماذا يفعلن إلا إذا أردن أن يكون المجتمعُ مجتمعَ انحلال بيت القصيد أن الله جل جلاله لم يُلزمَنَا بالتعدد لكنه أباحه لنا ولنا أن نأخذ بالمُباح أو لا نأخذ به ولا إثم علينا إن لم نأخذ والذي يثير ضجة حول التعدد لم يأخذ مع إباحة التعدد حتمية العدالة، إن الذي يسمع هذه الضجة يعتقد أن مسألة التعدد... تعدد الزوجات في الإسلام مسألة وبائية هكذا يتوهم ويتوهم أيضا أن تسعين بالمائة من الرجال المسلمين متزوجون بأكثر من زوجة واحدة ولكن الإحصائيات العلمية تقول إن المتزوجين من اثنتين لا تزيد نسبتهم على ثلاثة بالمئة فقط هؤلاء الثلاثة من كل مئة ألا يمكن أن تكون لهم مشكلات أدت إلى الزوجة الثانية، مثلاً رجل زوجته مريضة هل من الأفضل أن يتزوج امرأة ثانية أم أن يزني مع امرأة أخرى؟ والزوجة المريضة هل من الأفضل أن يتركها زوجها تماماً وقد لا يكون لها أحد يرعاها أم أن تبقى زوجة يرعاها زوجها ويقوم على شؤونها؟ والإحصائيات العلمية تقول إن الذين يتزوجون ثلاث زوجات هم رجل واحد بين كل ألف رجل فهل تعد هذه مشكلة مع هذا العدد البالغ من القِلّة، بل إن الذي يتزوجون أربع زوجات هم رجل واحد بين كل خمسة آلاف هل تعد هذه مشكلة؟ مع هذا العدد البالغ من القلة إنها ليست مشكلةً تواجه المجتمعات الإسلامية. طبعاً لابد من خطوات ألزم الشرع بها الزوج الذي يريد الزواج من امرأة ثانية، الحقيقة هذه الخطوات أولها العدل وسوف أوضح لك معنى العدل بالتفصيل. التعدد لا يمكن أن يكون تشريعاً ناجحاً إلا إذا ألزم المُشرّع الحكيم الزوج الذي يريد التعدد بالعدل التام وأنا أُلِح على العدل التام بين زوجتيه أو زوجاته قال تعالى: _ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً _ إذاً شرط التعدد العدل التام أما قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129)) (سورة النساء). الآية هذه نفت العدل المطلق الذي يشمل ميل القلب ولكنها طالبت بالعدل الممكن الذي يشمل مستوى المسكن ومستوى الإنفاق وحجم الوقت الذي يمضيه الزوج عند زوجته، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يَقِسُم ويَعدِلُ بين نسائه ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولاأملك. هذا هو العدل الممكن في المسكن وفي النفقة وفي المبيت هذا العدل الممكن للزوج، أما العدل غير الممكن فهو أن يميل لواحدة دون الأخرى هناك نساء متفاوتات في الذكاء وفي الكياسة وفي اللباقة فالقلب قد يميل إلى امرأة دون أخرى فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.