بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس* كثيرة هي الأمور التي تعتبر مقياسا سليما لتطور المجتمعات....حتى لو كان ذلك بعيدا عن الإحصائيات وسبر الآراء والدراسات الأكادمية، فحين كنا ننام بأبواب مفتوحة في السبعينيات كان ذلك دليلا على الأمن..أما عندما حصّنا بيوتنا في التسعينيات بأبواب وشبابيك حديدية فذلك كان دليلا على خوفنا.....وهذه الدلائل والمقاييس لا تحتاج إلى برهان كما لا يحتاج النهار إلى دليل...أما الأمور الأخرى التي تتضارب حولها الآراء فلابد من أدلة دامغة يصدقها العقل ويستسيغها الضمير أيضا. إن الضمائر الحية اليقظة التي تزن الأمور بميزان العقل والمنطق وبمصلحة الأمة والفرد والوطن... وتتقي الله في القول والعمل هي التي افتقدناها وأصبحت نادرة فهاجت الأمور وماجت في بلدنا وأصبحنا لا ندري من نصدق ومن نكذب.....من هو على حق ومن ذاك الذي على ضلال خاصة في عصرنا هذا الذي انفتحت فيه أبواب الإعلام على مصراعيها..وأصبح لنا صحافة(نقول عنها مستقلة) وفضائيات (نقول عنها حرة) إضافة إلى المواقع الاجتماعية في الفايسبوك وتويتر وغيرهما، لكن ماذا تعني كلمة الحرية عندما تقيد بها آخر وتفتري على آخر وتهين ثالثا.. ما معنى أن تطالب بحقك في شتم رئيسك في العمل.....ورئيس دولتك.....رئيس دائرتك ورئيس بلديتك...وتفعل ذلك من منطلق حكم مسبق أن المسؤولين كلهم سواء ولا فائدة ترجى منهم...... ما معنى أن تتجسس على الحياة الخاصة للشخصيات العمومية أو المعروفة ثم تدعي أنك تبحث عن المعلومة....تتحرى المصداقية والشفافية..... ليس المهم أن يكون الخبر كاذبا أم صادقا المهم ما هي فائدته في المجتمع؟ وما مدى تأثيره الإيجابي على المشاهد أو القارئ؟؟ فماذا يفيد أن يكون بوجدرة ملحدا أو مؤمنا؟؟ ألا ترى أن ضررهذا الخبر كبير سواء أكان صادقا أم كاذبا؟؟...وهل يحل هذا الخبر مشاكل الجزائريين الحقيقية؟؟ أم أن بيد بوجدرة حل مشاكلهم ولذلك تبحث وسائل الإعلام عن أخباره لحظة بلحظة...ولم لا استفزازه وإثارته(حسب قوله). فخ الإعلام وحتى تلك الأخبار التي تستدر بها العواطف ويحرك بها الوجدان أصبحت ممجوجة سواء كانت حقيقية أم لا...والسبب بسيط الشعب الجزائري ليس جائعا ولا شحاذا حتى لو كان لا يعيش في بحبوحة ومن قال غير ذلك فهو جاحد هناك مشاكل كثيرة ينبغي ألا نكف عن التذكير بأهميتها ومعرفة أسبابها وإيجاد الحلول المناسبة...وأضعف الإيمان السعي من أجل الحلول كل من موقعه، أما التشهير والتسول على المباشر فهي ظواهر لا تليق بشعب مكافح له ماض مجيد كالشعب الجزائري.. إننا لا نعيش في الجنة ولكننا أيضا لا نريد أن تظهر حالة بلدنا مأساوية من جميع النواحي كما تريد أن تفعل بعض وسائل الإعلام...أو أن نتلهى بمشادات كلامية كما حدث قبل أشهر بين السيدة لويزة حنون والسيدة نادية لعبيدي...حيث كادت تتحول إلى قضية رأي عام لولا أن (الكبار) قطعوا(الشر) من جذوره....رغم أن الجميع يعلم أن هذا النوع من الأخبار في بلدنا تدخل غالبا في معنى المثل الشعبي (المندبة كبيرة والميت فأر). قبل سنتين أيضا حدثت تصريحات وتصريحات مضادة بين زهرة ظريف وياسف سعدي..كما أنكر بعض المجاهدين ما جاء في مذكرات البعض الآخر من وقائع...وهذا كان بفضل (الباحثين عن الحقيقة) التي لا وجود لها..فشككوا في كل شئ وفي كل شخص وهذا هو الأخطر في الأمر...فبعد أن فقدنا الثقة في مسئولينا بفضل سياسة التشكيك هاهم يريدون أن نفقد الثقة في تاريخنا وفي مجاهدينا وثورتنا.....ولكن هيهات. الحقيقة الوحيدة أن هذا الشعب قام بثورة أوصلته إلى الاستقلال...وهذه الثورة كغيرها من الحركات ضمت أنواعا وألوانا من الأفكار والآراء والنيات ولا أقول ( الأشخاص)..ومهما كانت أخطاؤهم وصراعاتهم إلا أن أهدافهم كانت نبيلة ولذلك أتت أكلها وهي ثمار النصر التي نلتهمها ونسئ إلى البذر والغرس وعرق الزّارع. لست مخولة كي أعطي دروسا لبعض وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية أو المسموعة..لكنني كمواطنة من حقي أن ألاحظ أن البعض منها أصبح في حاجة إلى القص وليس إلى المقص...وذلك لما يروجه من العناوين الشاذة والغريبة وما يبثه من حصص الشعوذة والسحر التي لم توجد حتى في القرن التاسع عشر. إن هاته الوسائل التي تقيس نجاحها بعدد ا لنسخ أو عدد المشاهدين لا تعرف أولا تريد أن تعرف أن الكثير من المشاهدين يلجأ إليها لا من باب التثقيف ولا التسلية ولا شئ آخر اللهم إلا الضحك على بعض ما تبثه من تفاهات وأكاذيب أصبحت واضحة الهدف. الإعلام الواعي هو الذي يرتقي بمتتبعيه إلى مستوى رفيع من التفكير ومن الأخلاق ومن التفكير المنطقي لا ذلك الذي يتوه به في سراديب الشعوذة وأزقة السحر وطلاسم الغيب...وأباطيل المعجزات..بحجة أن هذه هي الحقيقة وينسى أنه المخول بتغيير هذه الحقيقة التي يراها كارثية....متى كان راقيا...وواعيا....ومهنيا.... إن ما نسميه عندنا (حرية إعلامية) هي صفاقة بكل المقاييس ينبغي التصدي لها (بالترك)سواء من طرف بعض الأسماء المشهورة بنزاهتها والتي تستدرجها هذه الوسائل بطرقها المختلفة...وحتى من طرف القراء أو المشاهدين....إنها فعلا قضية مجتمع غرق في إعلام سيئ النوايا وفاسد المقاصد...وينبغي إعادة النظر في قانون الإعلام جملة وتفصيلا والوصول إلى ما يخدم البلاد والعباد وليس الضحك على الذقون واللعب بالتصريحات واستدراج الأشخاص وغير ذلك من الوسائل الممجوجة التي أصبحت واضحة فاضحة ولا ينبغي السكوت عليها مهما كانت الجهة التي تصدر منها.