بقلم: الأستاذ حسن خليفة أتصور أن كثيرين يعرفون كتاب الشيخ الغزالي رحمة الله تعالى عليه الموسوم ب(الغزو الثقافي يمتد في فراغنا) وقد عالج فيه معضلة الغزو الثقافي معالجة طبيب عارف بالعلل والأدواء وقدم ما يوجبه مقتضى الحال من الأدوية لتلك الأمراض الخطيرة التي نخرت النفوس حتى كادت تجعلها كأعجاز نخل منقعر. وما يزال الكتاب في حاجة إلى قراءة ونشر وتعريف ومدارسة فهو وأمثاله من الكتب النافعة تستطيع أن تفتح دون ريب ثغرة في الجدار المسدود الذي نعيشه ويعيشه شبابنا وشاباتنا خصوصا: ضائعين بعيدين عن أصولهم متنكرين لمبادئهم. وأتصور أن فهم مسألة التغريب لا يحتاج إلى كثير مدارسة واهتمام فتكفي نظرة عجلى على أوضاعنا الحياتية لنرى أننا غارقون في (التغريب). فنمط عيشنا وطرائق تفكيرنا وأساليب حياتنا وأشكال لباسنا وأزيائنا وهواياتنا ومطامحنا بل وفلسفة الحياة نفسها لدينا أوعلى الأقل لدى كثير من طبقات المجتمع وفئاته خاصة المثقفة منها...تدل كلها على أننا لا ننتمي إلى أنفسنا وأصولنا وإنما نعيش على نحو ما أُريد لنا مقلدين لغيرنا من أهل الغرب عموما حتى صرنا كما قال القائل أشبه بالغراب الذي أضاع مشيتَه بعد أن حاول تقليد مشية غيره. فلا مشيته أبقى ولا تعلّم مشية من أراد تقليده وهو مثال رمزي بديع يكشف حقيقة المقلد لغيره فهو يُضيّع نفسه دون أن يكتسب صفات غيره.وهذا حالنا بالضبط.لانعرف من نحن ولا مانريد. الذي يحز في نفسي وأنا أرى وأراقب وأهتم وأدرسُ أحيانا معايشنا ومناشطنا محاولا فهم ما يجري من كدر ومنغّصات في حياتنا واعوجاج واضطراب وسوء . فأجد أن أكثرها يعود إلى ابتعادنا عن سواء الطريق ابتعادنا عن المسلك السويّ الصحيح سواء تعلق الأمر بالدين الذي هو الحصن الحصين والركن الركين أو تعلق بالثقافة ومنظومتها القيمية المتلألئة ابتعادنا عن الأصل من جهة وانخراطنا في نمط عيش الغربيين وتشرّب فلسفتهم إلى حد كبير.وما الضنك الذي نراه والمعاش الصعب الذي نعيشه كلّنا سوى جزء من نتائج الاغتراب والانفصال الذي أوصلنا إليه انغماسنا في عالم (الغرب) و(التغريب) حتى صار بعضنا بل كثير منا وخاصة من الطبقات والنخب الحاكمة غربية أكثر من الغربيين أنفسهم. 1 أنظر كيف صرنا نفهم النجاح على أنه الحصول على المادة في مختلف صورها ؟وكيف أثر ذلك علينا حتى صار(الدينار) هو المعبود عند كثيرين دون الله سبحانه حتى صار بعض الناس يمكن أن يُفني بلدا بأكمله من أجل (الدينار والدرهم). 2 أنظر كيف صرنا نفهم الحب وقد تسرّب إلينا عبر المسلسلات والرويات والأفلام والبرامج الهابطة الغربية والمستغربة ..كيف صار عشقا أسود وهُياما ورذائل متنقلة وكانت نتيجة ذلك نسخة الفساد المسماة (الأمهات العازبات) ونسخة الفساد المسماة (حرية المرأة). 3 أنظر كيف يعيش شبابنا من الفتيان ومن هم أقل منهم من الصغار؟حياة خاوية من أي معنى ومن أي مسؤولية ومن أي نضج. وليس ذلك بالأمر اليسير فمنظومتنا الحضارية هي التي انتجت قائدا عظيما في سن 17 وقادة أعظم لا يبلغوا الخامسة والعشرين وفاتحين كبار من الشباب وأمهات عظيمات وقائدات لم يتجاوز سنّهن العشرين. 4 أنظر إلى حال المرأة عندنا وكيف تفكر ؟ وكيف تأمل ؟وما تتمنى ؟ وماهي اهتماماتها الرئيسة.. ستعرف أن (التغريب) فعل فعلتَه وحقق المطلوب لأنه زرع في المرأة فكرا تافها ورسّخ فيها قناعات خاطئة فصارت تعيش لنفسها وتعيش من أجل أن تعيش ولسان لحاله (حابة نعيش). 5 أنظر إلى حال الأسرة من التفكك والتمزق حتى لتكاد تندثر وإلى نسب الطلاق المرتفعة وإلى ما يلي ذلك من المشكلات الاجتماعية التي تنخر المجتمع وتقتل فيه الحياة والانسجام. 6 أنظر إلى حال التعليم عندنا الذي يكاد يخلو من (التربية) والحكمة وحب العلم. 7 أنظر إلى حال سلوكنا وكيف صرنا نرمي أولياءنا في (دور الرحمة)(!!) وصار قتل الأصول شائعا منتشرا ببشاعة. 8 أنظرإلى حال العلاقة بين الأولياء وأبنائهم وعموم أفراد الأسرة أو العائلة مع بعضهم وتضاءل الرصيد الإنساني والعاطفي والإيماني؟ 9 أنظر إلى قوانيننا في مختلف المجالات والقطاعات..كيف صارت (نسخة) من قوانين أقطار أخرى لا صلة لنا بها. 10 أنظر إلى كثير من شؤوننا إنك سترى (التغريب) يسري فيها مسرى الدم من الجسم في التفكير والفهم والرؤية والتحليل والمسلك والنزوع. ذلك صنيع التغريب الذي هو (مسخ) لشخصية الإنسان ووأد لحقيقته وأصالته ونفي لخصوصيته التغريب الذي تسرب إلينا من مختلف المجالات الإعلامية الفكرية الفنية فأعاد صياغة شخصياتنا بشكل أفرغها من محتواها الحقيقي وهل من محتوى حقيقي إلا محتوى الإيمان والعمل الصالح.