*الأم العز باء ليست معصومة من الخطأ و على الدولة التكفل بها كباقي الناس " كل شجرة يهزها الريح"... لا طالما كان هذا المثل خير شفيع لكل مخطئ في حق الغير أو حتى في حق نفسه، في عصر يعرف من الضغوط و المتطلبات ما يجعل المجتمع لا يكاد يخلو من أشخاص يعانون مشكلة أو عقدة أو حتى حالة نفسية معينة، في ظل المشاهد الاجتماعية القاسية و المغريات الراهنة التي بات قلب المرأة و مستقبلها أحد متغيّراتها التابعة، ممّا يجعلها في خانة النساء – ذوات الوضع الصعب- أو الأمهات العازبات كما باتت تسمّيها النخبة المثقفة، و كيف أنّ هذه الشريحة من المجتمع أصبحت تشغل حيّزا ضيقًا في عملية الإدماجات الاجتماعية التي من شأنها إصلاحه و لعلّ هذا ما دعانا إلى إلقاء الضوء على واقع تلك الفئة بمعزل عن الجمعيات الإنسانية. وداد لعوج يد المواساة بداية التطلع إلى فجر جديد أم فتح باب لتفشي الظاهرة كثيرة هي المشاكل الدفينة التي تلقي بظلالها على حياة الإنسان، و تكبّله فتجعله أسير تصرّفاته اللاإرادية و عواقبها غير المحمودة التي قد تتعارض مع الوقت مع نمط العيش السّليم لتشكّل عائقًا ،لذلك بات لزامًا علينا من باب الإنسانية الحقة أن نعي معنى أن تفقد المرأة جزءًا منها و تسلب روحها لتجد نفسها تتخبّط بين واقعها و أحلامها في زمن اشتهر بمحاسبة المرأة قبل كل شيء، لذا ارتأينا تجاوز الخطوط الحمراء و رفع الستار عن الكثير من الأشياء المسكوت عنها و التي باتت تعيق تقدّمنا و تأرّق الكثير منّا، في سبيل المساعدة على تخطّي الأزمات منعًا لتفاقمها و من ثمّة تحوّلها إلى أمراض، و لاعتبارنا تعوّدنا على البحث في الأمور التي تخص المرأة الجزائرية بالقرب من زخم العاصمة و ضوضاءها حيث تتضافر جهود الجمعيات الإنسانية لحل الأزمات الاجتماعي ، أمّا هذه المرّة فذهبنا إلى أبعد من ذلك حيث تضطر المرأة للفرار بأحلامها إلى سفح الجبل مداراة للفضيحة بمعنى واقعها في المناطق الريفية، هنا قد تختلف معاناتنا باختلاف ظروفنا الاجتماعية و النفسية و كذا المادية و تأسيسًا على هذا قرّرنا عرض ظاهرة الأمهات العازبات. و لكل امرأة حكاية و لكل أم رسالة تستجدي المواساة هذا ما يحكيه لسان حال العديدات منهن من بينهن نساء قابلنهن في جولة استطلاعية هادفة قررنا من خلالها تسليط الضوء عليهن و التقرب منهن قصد إيصال صورتهن الحقيقية من دون تشويه أو تزييف، فكانت وجهتنا إلي مركز الإيواء ببلدية الكاليتوس و الذي أصبح مأوى للعديدات من نفس الفئة و منفا لأحلامهن الجريئة، فسواء شئن أم أبين وجدن أنفسهن في هذا المكان الذي يدل على أنّ الألفة قد هجرته منذ زمن بعيد ،فبات ملاذًا لهذه العيون التي لفظتها الحياة بعدما تحوّل شعور الأمومة من ذلك الحلم الجميل الذي يراود كل فتاة إلى كابوس أثقل كاهلها بفواتير لحسابات مختلفة حملها إلى عالم السّيدات، فما لبثت تتحمل عبء تنشئة طفل "غير شرعي" علاوة على ذلك مشاكل الإعالة و التربية و افتقار المكان إلى أدنى مرافق العيش الكريم، بل يكفيها كونها حالة مستهجنة و باب نقاشها مغلق ما دام الجواب عليه موجودًا في أعراف هذه المنطقة التي لا تزال تفي بالكثير من الإخلاص للتقاليد ،ممّا يضع حياة هؤلاء النسوة في قالب الاستنكار و الاستهجان هذا ما تبيّن لنا فور وصولنا إلى الحظيرة للبحث عن بعضهن فكان في استقبالنا مسؤول الحظيرة و بعض من عمّالها ،حيث قاموا بسرد بعض الحكايات التي يردّدها أهل المنطقة عن حال هؤلاء النسوة و حياتهن في هذا المكان، و من ثمّة قام المسؤول بإرشادنا إلى بيت "فضيلة" و هي غرفة قصديرية متواضعة بنتها البلدية لها بعد أن فارقت بيت أسرتها، فكان لنا لقاء مع هذه الفتاة التي أدخلت نفسها جحر الأوهام مبكرا بعدما بنت لنفسها عالمًا من الأحلام مع فارس مزيّف لتحكي قصتها لنا من خلف السطور. كل بني ادم خطاء ...و لا يجب معالجة الخطأ بقرينه من وراء قضبان الشتات النفسي الذي حاكته لها أحلام الصّبا استيقظت فضيلة كنظيراتها على نهاية هي مقصلة الأحلام الوردية لفتاة أساءت الاختيار لتجد نفسها بين جدران من القصدير و فراش بال و باب قماشي هذا جل ما تحتويه بيت تلك المرأة، فلنتصور كيف حال من جار عليها الزمن و بات لزامًا عليها أن تفرّ منه لتحيى تحت سقف من طين و كيف لها أن تحتمي بين جدرانه في عز الشتاء القارص إذ تقول: " كنت بإحدى القرى المجاورة – و التي رفضت الإسفار عنها- رحلت إلى هنا حتى أتجّنب أقاويل الناس التي يبدو أنّها طالتني بعد الرحيل، فالجميع هنا بات يترصدني بنظرات ثاقبة و مع ذلك فقد تخطّيت أزمتي بروح صلبة و صار كل همّي منصبا على تربية ابنتي بتفان حتّى أعوّضها عن جرمي المرتكب في حقّها، فأنا الآن أعمل في مصلحة التنظيف بمؤسسة عمومية، و استنجدت برئيس البلدية الذي قام بإعطائي غرفة متواضعة في حظيرتها و هو أمر أقلّه يكفيني توفير متطلباتي المعيشية"، و تضيف:" سبق و أن قابلت مؤخّرًا فتاة مخطئة كان جنينها سيرى النور فعرضت عليها المساعدة من دون تردّد حتّى لو اضطررت إلى نسب الجنين إلى نفسي تفاديا لتشويه سمعتها إن اقتضى الأمر، عسى أن أكفّر عن خطيئتي". لننتقل إلى منزل "أمينة" و هي الأخرى قصّتها لا تختلف كثيرًا عن سابقتها، هذا ما دلت عليه ملابسها الرثة و ملامحها المعبرة عن أشياء عديدة خلاصتها الندم و التحسّر على ما ضاع من دون سابق إنذار إذ تقول:" كنت منساقة خلف أهوائي من دون رادع و لا رقيب، أمّا الآن فأنا حبيسة الشرود و الوساوس من المستقبل و السبب الفضيحة". و في رواق آخر و حين تضطر الأم العزباء إلى معالجة الخطأ بقرينه أو بخطأ هو الأفظع على الإطلاق بعد أن وأدت وليدها مداراة للفضيحة، تقف "رانيا" و هي ترقب تبدّد أحلامها بعد أن تلاشى كل شيء على أنقاض أسرة متواضعة كان كل همّها أن تعيش بشرف لتجد نفسها منضمة إلى عالم النساء ذوات الوضع الصعب في غرفة حقيرة بذات الحظيرة. ابن الخطيئة.... وجه ثان لعملة المحاسبة على الخطأ أما عن الضحية رقم واحد في معادلة الذنب الفظيع فهو الخطيئة الابن، فهو نفسه عندما كتب له أن يرى النور كان رضيعًا مجهول المصير و لمّا كبر قدر عليه أن يعيش بلا اسم أو أصل عريق ينحدر إليه و لو أنّه ليس من العدل حقّا أن نأخذه بخطأ الكبار عندما يكبر، لذا على المجتمع أن يتعامل معه من منطلق سيرته الشخصية لا أكثر لأنّ العديد من هؤلاء نمو بثوابت و مبادئ تختلف تمامًا عن طينتهم هذا ما دأبت على تلقينه لنا "سارة" و هي صبية في عمر الزهور تعيش مع والدتها العزباء في الحظيرة، فهي رغم كل المعوقات الاجتماعية إلّا أنّها تسعى إلى تجاوزها حتّى تصنع لنفسها صورة مغايرة عن تلك التي يأخذها الناس عنها و المستلهمة من المفهوم الكلاسيكي لسيناريو المحاسبة على الخطأ، و لاسيما في مجتمع قاس لا يؤمن إلّا بالمنبت الطيّب و المعدن الأصيل. غادرنا المكان بعد أن تعرّفنا على نساء بدوا لي أنهن يعشن في عالم غير الذي نعيش فيه، عالم يبدو أن الفقر و الجهل من أبرز معالمه، في ظل الظروف القاسية التي تحيط واقعهن النفسي جراء التهميش و في ظل غياب التكفل النفسي بهن، فالتكفل النفسي في الحياة الطبيعية و السليمة هو مصدر الأمان و العطف و الدعم، و عندما تنعدم هذه الأمور يختل ميزان الإنسان و تضطرب شخصيته، ناهيك عن انعدام أدنى شروط العيش الكريم و مع ذلك مازالن يأملن في العيش بسلام يومًا ما، فبعد أن ضاقت بهن الدنيا بما وسعت ها هن ينتظرن في طابور الحياة ملتمسات الأمان و السكينة حتّى لا يسلكن دربًا منحرفًا يلفظهن في بيوت الخراب، أو أن يحاولن إخماد الخطيئة بوأد الوليد مثلًا، قال سيّد الخلائق عليه الصلاة و السلام : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل نفس مسلمة" رواه البخاري في صحيحه. الظاهرة تفشت و الخطأ ارتكب... و للأخصائيين نظرة أخرى ومن اجل استقصاء و الاستفسار عن الظاهرة ارتأينا جس نبضها عند بعض المسئولين و المختصين في المال، و الذين اكدو لنا في اغلبهم عن نقص الجمعيات الناشطة في المجال الإنساني، في المناطق النائية، مؤكدين في اغلب الحالات أن البلديات هي التي تقوم بالتكفل بجميع الفئات بما فيهم الأمهات العازبات، و تحتوي ما يقارب 4 أمهات عازبات 3 منهن لا تزالن تحتفظن بأبنائهم أمّا 1 فقامت بالإجهاض سرّا هذا فيما يخص الحالات المعترف بها لأنّ هناك العديد منهن لا زالن طي الكتمان و منهن من تركت ولدها في المستشفى. ...و للبيئة الثقافية دور في تفشي الظاهرة و بالنسبة لعلاقة الأمر بالبيئة الاجتماعية أو بالمستوى الثقافي لتلك الفئة أكدت الأخصائية النفسية "زميرلي"انه عند التحدّث عن تفشي ظاهرة اجتماعية في بيئة ما، فهي بالطبع نتيجة حتمية لمجموع ضغوطات اجتماعية و نفسية أو حتّى مادية من دون الخوض في التفاصيل، و حسب إحصائياتنا لهن فجميعهن أميات، لكن على حسب رأيي ليس الأمر مشروطًا بالمستوى الثقافي بقدر ما هو متعلّق بالجانب التوعوي الذي تحيطه الأسرة بالفتاة سواء متعلّمة أو غير ذلك ،فعلى على الأولياء ترسيخ مبادئ الأسرة في نفس الأبناء ثمّ تبقى المهمّة على عاتقهم في المحافظة عليها و إثبات الذات. الأم العز باء ليست معصومة من الخطأ و على الدولة التكفل بها كباقي الناس أما للإجراءات المتخذة فأكد مدير الأمن ببلدية الكاليتوس انه علينا أن ننظر لهؤلاء من جانب إنساني, فالأم العزباء على غرار جميع البشر ليست معصومة عن الخطأ، فلو نظرنا إلى الأمور من جانب موضوعي سنجد أن هناك ذنوب أكثر فظاعة لكنها مسكوت عنها، لكن الأخطاء تصحّح بالتوبة منه، على الأقل حتّى نمنحها فرصة لتثبت لنا إمكانية صلاحها أمّا عن الجانب الإداري. و في سؤال لمدير هل يجاز للأمهات الاحتفاظ بالأبناء أكد انه تستطيع الأم ما دام ذلك يبرهن لها أنّ الاحتفاظ به خير دليل على منحنا لها حظوظًا أكثر في الحياة أو بالأحرى خولها لأن تكون مصدر ثقة ،فإذا حدث ذلك فهي بالفعل ستسعى لأن تكون أهلًا لها، في مفارقات الحياة هذه كل له دوره و لأنّ دور المتدفئ على الجمر ليس كدور لاعقه، لذا علينا من باب الإنسانية الحقة أن نواسيه و نخفّف عنه قدر المستطاع لا أن نلقيه في التراب، فنكون بهذا قد قطعنا أسباب انتشار الحريق في كل الأرجاء