تراجع مستمر لوارداتها --- تلوح أزمة دواء في الأفق في ظل التراجع المستمر لواردات الجزائر من المواد الصيدلانية وهو تراجع يحدث بالتوازي مع شكاوى كثير من المرضى لافتقادهم أدواء بعض الأمراض لاسيما المزمنة منها رغم تطمينات وزير الصحة عبد المالك بوضياف ومسؤولي قطاع الصحة الذين يعدون بألا تكون إجراءات التقشف على حساب صحة الجزائريين. وتراجعت قيمة واردات الجزائر من المواد الصيدلانية خلال السداسي الأول من العام الجاري إلى 124ر842 مليون دولار مقابل 2ر1 مليار دولار في نفس الفترة من سنة 2014 مسجلة انخفاضا قدره 05ر30 بالمائة حسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية أمس الأحد نقلا عن مصالح الجمارك. كما عرفت كمية المواد الصيدلانية المستوردة نفس الوتيرة حيث تراجعت إلى 434ر13 طن خلال الستة أشهر الأولى من 2015 مقابل 958ر13 خلال نفس الفترة من 2014 بتراجع قدر ب75ر3 بالمائة حسب إحصائيات المركز الوطني للإعلام والإحصاء التابع للجمارك. ومسّ هذا التراجع المسجل منذ بداية السنة الجارية كل المواد الصيدلانية خصوصا الأدوية الموجهة للاستعمال البشري والتي تمثل 95 بالمائة من هذه الواردات. وبلغت قيمة الأدوية الموجهة للاستعمال البشري 33ر799 مليون دولار (12.280 طن) مقابل 15ر1 مليار دولار (13.061 طن) أي بتراجع قدره 31 بالمائة من حيث القيمة. وبالنسبة للمواد الشبه صيدلانية فبلغت قيمة وارداتها 81ر27 مليون دولار مقابل 47ر33 مليون دولار أي بتراجع قدره 17 بالمائة. وتراجعت الأدوية الموجهة للاستعمال الحيواني بدورها إلى 97ر14 مليون دولار مقابل 29ر15 مليون دولار أي بانخفاض قدره 09ر2 بالمائة. مزيد من التقشف! يبدو أن الحكومة الجزائرية تسير مجبرة في طريق التقشف بعدما عجزت حلولها الترقيعية عن صدّ الصدمات الاقتصادية الناتجة عن أزمة أسعار البترول فيما يؤكد مقربون من الحكومة أن الأسابيع المقبلة ستحمل إجراءات جديدة ل(شد الحزام) قبل أن تصبح الجزائر مكرهة على العودة للاستدانة. وكشفت مصادر مُقربة من الحكومة أن هذه الأخيرة ستتخذ خلال الأسابيع المقبلة جملة من التدابير التقشفية العاجلة في مُحاولة مستميتة للخروج من الأزمة المالية الناتجة عن تراجع العوائد النفطية. وقالت المصادر إن قانون المالية التكميلي الذي تعكف الحكومة على إعداده سيكون الإطار الذي تكشف فيه عن إجراءات (شد الحزام) الجديدة في ظل انتقادات واسعة للسياسة الاقتصادية التي ينخرها الفساد المالي والإداري. وكان وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة قد صرح مؤخرا أن قانون المالية التكميلي الذي هو قيد الدراسة لدى مجلس الحكومة مؤسس على الدعم الاجتماعي مع الصرامة الاقتصادية. وتشير بعض التسريبات إلى أن الإجراءات التقشفية الجديدة تتضمن في المقام الأول التضحية بالاستثمارات الحكومية في المشاريع العمومية والبنى التحتية التي تشغل جانبا كبيراً من الأيدي العاملة في بلادنا الأمر الذي يعرض الجبهة الاجتماعية إلى متاعب جديدة خاصة فيما يتعلق بالتشغيل ومُحاربة البطالة. وسبق للإجراءات التقشفية التي أعلنها الرئيس بوتفليقة نهاية العام الجاري أن أطاحت بالعديد من المشاريع العمومية على غرار سكنات (عدل 3) وبعض المشاريع في قطاعات الرياضة والثقافة والموارد المائية وتكنولوجيات الإتصال. أما الجانب الثاني الذي ستطاله رياح التقشف فهو سياسة الدعم الإجتماعي رغم ثقل التخوفات المرتبطة بتأثيره على السلم الإجتماعي الذي تنعم به البلاد حاليا حيث تشير جل توقعات الخبراء أن الحكومة ستكون ملزمة على تخفيف بعض أعباء هذه السياسة التي تثقل كاهل الميزانية في ظل تهاوي أسعار النفط. ورغم إعلانها التقشف إلا أن حكومة سلال أنفقت منذ العام الماضي نحو 50 مليار دولار لدعم مختلف السلع الإستهلاكية إضافة إلى تمويل المساكن ومنح معاشات للمجاهدين وأبناء الشهداء. ويصل الدعم الإجتماعي إلى 28 بالمائة من الناتج الإجمالي للجزائر وهو الأكبر في المنطقة التي يتراوح معدل دعم الأسعار فيها ما بين 5 إلى 10 في المائة من الناتج الإجمالي. لذلك يضغط صندوق النقد الدولي على الحكومة لتقليص حجم دعم الأسعار كما في بقية دول شمال إفريقيا وتحويله إلى مشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل للشباب البطال. للإشارة سجل احتياطي الصرف تراجعا مخيفا حيث بلغ 159 مليار دولار نهاية مارس 2015 مقابل 178 مليار دولار نهاية شهر ديسمبر 2014 بفعل الصدمة الخارجية الناتجة عن التراجع المعتبر في أسعار النفط حسب ما كشفته الأرقام الأخيرة لبنك الجزائر ويعد التراجع المخيف في احتياطي الصرف بمثابة كابوس حقيقي للحكومة والشعب على حد سواء فيما لا يستبعد أن تجد السلطات نفسها مجبرة خلال سنوات قليلة إلى الإستدانة. وتوقعت وكالة (كوفاس الفرنسية) في تقريرها الأخير أن يرتفع العجز التجاري في الجزائر إلى أكثر من 36 مليار دولار نهاية 2015 ما يمثل 16 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي فيما تنبأت ذات الوكالة المختصة بزيادة المديونية الخارجية لتناهز 14 في المائة من الناتج الإجمالي لبلادنا.