الآية الأولى: قوله تعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} (النساء:137). الآية الثانية: قوله سبحانه: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا} (النساء:168). فقد ختمت الآية الأولى بقوله عز وجل: {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} في حين ختمت الآية الثانية بقوله تبارك وتعالى: {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا} فما وجه اختلاف خواتم الآيتين مع استواء حال من ذُكر فيهما من التلبس بالزيادة على الكفر وفي الجزاء بعدم الغفران ومنع الهداية ومع أن مسمى (السبيل) و(الطريق) واحد؟ أجاب ابن الزبير الغرناطي عن وجه اختلاف ختام الآيتين بما حاصله: أن (السبيل) و(الطريق) وإن استويا واتحد معناهما فيما ذكر إلا أن بينهما فرقاً واضحاً من حيث أن مواضع (السبيل) أكثر وروداً في الكلام ففي إطلاق لفظه توسعة وعموم ليست في إطلاق لفظ (الطريق) فقد ورد ذكر (السبيل) في القرآن الكريم في خمسة وسبعين ومائة موضع (175) ورد منه في الربع الأول من الكتاب العزيز في بضعة وخمسين موضعاً من ذلك في سورة البقرة أربعة عشر موضعاً أولها: قوله تعالى: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل} (البقرة:108) وآخرها: قوله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} وورد في سورة آل عمران في ستة مواضع وفي سورة النساء في ستة وعشرين موضعاً وفي المائدة والأنعام في تسعة مواضع وورد لفظ {السبيل} مضافاً إلى لفظ الجلالة {في سبيل الله} في خمسة وستين موضعاً وورد مضافاً إلى ضمير لفظ الجلالة {سبيله} في أحد عشر موضعاً. في حين لم يقع ذكر (الطريق) في كتاب الله كله إلا في أربعة مواضع. ثم إن اسم {السبيل} مع ما تقرر من كثرة ترداده أغلب وقوعاً في الخير وسبيل السلامة تصريحاً وإشارة ولا يكاد اسم (الطريق) يرد مراداً به السلامة والخير إلا مقروناً بوصف أو إضافة أو ما يخلصه لذلك كقوله تعالى: (يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم} (الأحقاف:30). وإذا تقرر هذا فقوله تعالى في الآية الأولى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا} المراد منه وصف هؤلاء بشر وصف وأعظمه وأبلغه بأقصى غاية في شنعة المرتَكَب فليست حال من كفر بعد إيمان كحال من لم يتقدم كفره إيمان قال تعالى فيمن توعده بأشد الوعيد: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} (النحل:106). إلى ما وُصفوا به من استحبابهم الحياة الدنيا على الآخرة وإنما وقع ذلك منهم بعد علمهم بكيان الآخرة وتصديقهم بها ثم اختاروا الدنيا عليها فحالهم حال من أضله الله على علم ولا أسوأ حال من هؤلاء. أما الموصوفون في الآية الثانية ب (الكفر) و(الظلم) فدون أولئك في شنعة المرتَكَب والمبالغة في الضلال إذ إن حال الكافر الذي لم يتقدم منه إيمان ليست كحال من تقدم منه إيمان لكفر هذا على علم وأيضاً ليست حال من وُصف ب (الظلم) وإن كان يقع على الكفر وما دونه كحال من وُصف في الآية الأولى بعوده إلى الإيمان ثم إلى الكفر بعد ذلك ثم الازدياد في الكفر فلما بلغت حال أولئك فيما وُصفوا به أشنع غايات الكفر والضلال وأشدها تخبطاً ناسب ذلك الكناية عما صدوا عنه ومنعوه ب {السبيل} مناسبة بين حالهم والممنوع من محسود مآلهم ولما لم يكن وصف الآخرين ب (الكفر) و(الظلم) يبلغ شنعة المرتَكَب مبلغ أولئك عدل في الكناية عما منعوه إلى ما يناسبه وخُتمت كل آية بحسب ما يجب ويناسب ولم يكن عكس ذلك ليلائم ولا ليناسب.