الأزمة السورية.. بين حروب الجاهلية والحروب المعاصرة عودة حروب الجاهلية.. الغساسنة.. والمناذرة قسول جلول إنها القضية السورية إنها مشكلة الأُمَّةِ الإسلامية الكبرى الآن عداوة تنتشر وتغزو المجتمع الإسلامي ثم لا ينتبه لها أحد ولا يفزع لها أحد وقد قيل قديما: (قَضِيَّةٌ وَلاَ أَبَا حَسَن لَهَا) وقيل أيضا: (قَضِيَّةٌ وَلاَ أَبَا بَكْر لَه) ونقول اليوم (قضية ولا أمة لها). خياب الأمة الإسلامية. وعدنا إلى العصورالجاهلية ولنا فيها عضة وعبرة لمن أراد أن يعتبر وما أشبه اليوم بالبارحة فحال أمتنا شبيه بحال قصة الغساسنة والمناذرة فهي قصة ما أحوجنا اليوم أن نقارن الأمس باليوم في إسقاطات على واقع الأمة الإسلامية والأزمة السورية التي أخذت أبعادا خطيرة تذكرنا بحقبة زمنية تشبه إلى حد بعيد وأصبح الصراع ينفذ وفق أجندات أجنبية على حساب الشعب السوري. الغساسنة والمناذرة الغساسنة الذين سكنوا قرب حدود بلاد الشام الجنوبية واتخذوا مدينة بصرى الشام عاصمة لهم وكانوا موالين لدولة الروم التي كانت تحتل سوريا وفلسطين ومصر واعتنقوا الديانة النصرانية لأجل تقربهم من الروم وكانوا بيادق ينفذون مخططات الروم بأيدي عربية وقد جعل الروم الغساسنة حراساً لهم على حدود الشام ضد غارات المناذرة حلفاء الفرس! كما كان أشباههم المناذرة ينفذون مخططات الفرس بأيدي عربية. المناذرة حكموا العراق واتخذوا الحيرة عاصمة لهم ومن مدنهم في العراق النجف وعاقولا وعين التمر والأنبار وهيت وكانوا حلفاء وحراس للفرس وموالين لهم. الغساسنة والمناذرة وكلتاهما من العرب هاجروا من اليمن بعد انهيار سد مأرب ولكن كم من حروب طاحنة حصلت بينهم إرضاء لأسيادهم من الروم والفرس وكان كل خلاف أو صراع بين الدولتين الكبيرتين الروم والفرس ينعكس أثره السيئ على العلاقات بين الغساسنة والمناذرة. وكانوا وقودا للمعارك في الحرب وأذنابا في السلم إلى أن ظهر الإسلام في الجزيرة العربية وانضمت القبائل العربية لهذا الدين فصلحت أمورهم وعاشوا متحابين متعاونين ينبذون الظلم والأحقاد ويحكمون شرع الله العادل. وامتدت الفتوحات إلى الفرس والروم وانتشرت الرحمة وعم السلام وعاشوا متعاونين على البر والتقوى ما أقرب الأمس باليوم فلنتأمل التاريخ ونأخذ العبر. وقد وصف الله تعالى هذا الموقف وصفا دقيقا في قوله تعالى (ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر) هنالك نزعات جاهلية ومبادئ جاهلية حاربها الإسلام بكل وضوح وحاربها الرسول بكل قوة كالعصبية الجاهلية التي تقوم على الجهة والجنس والعرق وَتُمَجِّدُ هذه العصبية وتبالغ في تقديسها والدفاع عنها والقتال تحت رايتها وتوزيع المجتمع الإنساني على أساسها حتى تصبح ديانة وعقيدة وتسيطر على العقول والنفوس والأرواح والآداب وتكون هي المعرفة للحياة ولا شك أنها في عمقها ورسوخها وقوتها وشمولها تنافس الأديان وتستعبد الإنسان وتحبط مساعي الأنبياء وتحدد الدين الذي جاء ليحكم على الحياة في العبادات والطقوس وتقسم العالم الإنساني إلى معسكرات متحاربة وَالأًمَّةُ التي قال الله عنها: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}. والمنتظر من المسلم الذي جاء لِيُوَحِّدَ العالم ويجمع النوع الإنساني ويدفع الفتن ماظهر منها وما بطن ونشر الفضائل وبسط الرحمة والتعاون على البر والتقوى تحت راية واحدة وعلى عقيدة واحدة وَيُكَوِّنَ مجتمعًا جديدًا خاليا من الصراع قائمًا على الدين وعلى الإيمان برب العالمين ويبسط الأمن والسلام وينشر الحب والوئام بين أعضاء الأسرة الإسلامية ويجعلها جسدًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وعلى المؤمن أن يهتم بإخوانه السوريين والاهتمام بهم والإحساس بآلامهم وأوجاعهم وأن يحارب هذه العصبيات بكل وضوح وصراحة ويجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون. وعودة الجاهلية والعصبيات التي أماتها الإسلام وَالتَغَنِّي بها وإحياء شعائرها والافتخار بها لا يوجد وصف أهول وأفظع منها والتعبير في القرآن لها بقوله ((يايها الناس قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ...ويخرجهم من الظلمات)) وَيَمُنُّ القرآن على المسلمين بالخروج عنها ويحثهم على شكر هذه النعمة التي لا نعمة أعظم منها: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (1) {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (2) {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَات بَيِّنَات لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (3). تصوير العالم الإسلامي اليوم بالغساسنة والمناذرة هي موجة جديدة جاهلية تكتسح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وهي أعظم موجة واجهها العالم الإسلامي في تاريخه الطويل وهي تفوق كل موجة معارضة عرفها التاريخ الإسلامي سواء في قوتها وفي شمولها وفي تأثيرها في المجتمع الإسلامي وتمتاز عنها بأن المنتبهين لهذه الأخيرة قلائل والذين ينقطعون إلى محاربتها ويجندون لها قواهم ومواهبهم أقل فمما سبق أزمات وجدت من يحاربها بالعلم والحكمة والبرهان وبقي الإسلام محتفظًا بنفوذه العقلي ومكانته العلمية ترتد عنه كل موجة عاتية وينحسر عن طوده كل فيضان وكل سيل جارف.