بقلم: مالك التريكي* بمثلما بادر باراك أوباما بعد فوزه بولايته الرئاسية الأولى عام2008 إلى ضم خصمه هيلاري كلنتون لإدارته الجديدة بتعيينها وزيرة للخارجية بادرت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي إلى ضم خصمها بوريس جونسون لحكومتها بتعيينه وزيرا للخارجية. القاسم المشترك مع اختلاف السياقين هو الحرص على اتقاء شر الخصم ومكائده أو مشاغباته وذلك باحتوائه وتوريطه في لعبة الحكم وإرغاماتها. ولكن الفارق بين الحالتين كبير. فهيلاري كلنتون نتاج المؤسسة الرسمية وتنطبق عليها مواصفات الشخصية الامتثالية أي شخصية السياسي المحترف أو الموظف المنضبط. أما بوريس جونسون فإنه ذو شخصية بالغة الاستقلالية. شخصية طريفة نزّاعة إلى الإثارة وبعض الفوضوية. بل يمكن القول إنه رجل غريب الأطوار حيث ينعته منتقدوه بالمهرّج. وقد يكون هذا الخروج على المألوف هو أهم أسباب شعبيته لدى قطاعات واسعة من البريطانيين. ورغم أنه كان لتعيين بوريس جونسون على رأس وزارة الخارجية وقع المفاجأة أول الأمر فإنه يبدو الآن قرارا مفهوما بالنظر إلى أن جونسون قد كان من أبرز زعماء حملة بركسيت المنادية بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبالنظر إلى أن القضية التي ستهيمن على السياسة الخارجية البريطانية في الفترة القادمة التي يمكن أن تمتد عامين كاملين هي قضية المفاوضات حول شروط الطلاق بين بريطانيا والاتحاد. ولكن تعيين بوريس جونسون بالذات على رأس الدبلوماسية البريطانية قد يكون أول عقبة في طريق المفاوضات! لسببين على الأقل. الأول هو أن جونسون سياسي يفتقر إلى الخصال الدبلوماسية أي أن هنالك مفارقة كبرى بين متطلبات المنصب وبين طبيعة الشخص. أما السبب الثاني فهو أن حملة البركسيت قد كانت حملة تضليلية إلى أقصى حد. ولهذا فقد سارع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرو إلى القول بأن ما يحتاجه الاتحاد الأوروبي الآن هو وجود شريك بريطاني واضح لديه مصداقية وجدير بالثقة. ثم قال لمذيع راديو أوروبا 1 (ألم تر كيف كان أسلوبه أثناء الحملة؟ لقد كذب على البريطانيين كثيرا. أما الآن فإن ظهره إلى الحائط حيث يجد نفسه مضطرا للدفاع عن بلاده ولكنه مضطر أيضا لضمان إقامة علاقة واضحة مع أوروبا). وقد توخى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم الرفق عندما سألته زينب بدوي على البي بي سي إن كان له من رسالة يريد توجيهها إلى جونسون (الذي كان قد ادّعى أثناء الحملة أنه إذا لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإنه سيغزوها ملايين من المهاجرين الأتراك) حيث ذكّر بأن أحد أجداد جونسون تركي الأصل ثم قال بلباقة: هداه الله وأصلح شأنه! أرجو أن يكف عن ارتكاب الأخطاء وأن يصلح علاقاته مع الأتراك. أما عضو البرلمان الأوروبي ورئيس الوزراء البلجيكي السابق غي فرهوفستات فقد عدّ تعيين جونسون نكتة تدعو للضحك وغرّد على تويتر بأن من الواضح أن روح الدعابة البريطانية ليست لها حدودة. والواقع أنه قد كان لجونسون منذ أن كان صحافيا دور مؤثر في الصورة السلبية بل الكريهة التي انتشرت عن الاتحاد الأوروبي داخل بريطانيا. هذا ما وثّقه الصحافي مارتن فلتشر الذي عمل مراسلا للتايمز في بروكسل بداية من عام 1999 أي بعد بضعة أعوام من عمل جونسون هناك مراسلا للدايلي تلغراف. حيث يقول إن الصحافة دأبت طيلة ربع قرن على أن تقدم للجمهور البريطاني حول الاتحاد الأوروبي مزيجا من التقارير التشويهية الكاذبة والمفعمة بتحامل لا هوادة فيه. أما الصحافي الذي أسس المذهب وضبط النغم فهو بوريس جونسون. وقد أصبحت هذه الصورة المشوهة التي لاقت هوى لدى أوساط اليمين هي الصورة النمطية المهيمنة التي لا تقبل الصحافة البريطانية سواها. وهكذا فإن جونسون قاد حملة البركسيت ضد الكاريكاتور الذي رسمه هو نفسه عن الاتحاد الأوروبي أي ضد اتحاد خيالي لا علاقة له بالواقع. ويضيف فلتشر أن جونسون قد يكون ظريفا سريع الخاطر وقد يكون فكها مسلّيا تماما مثلما كان دونالد رمسفيلد قبيل غزو العراق ولكنه خطير أدهى الخطر.