{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الاستغفار.. الحل السحري لكل الآفات قال الألباني رحمه الله تعالى في الكلام على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم): وليس المقصود من الحديث وأمثاله الحضَّ على الإكثار من الذنوب والمعاصي ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار ليغفر الله له ذنوبه فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة (السلسلة الصحيحة مختصرة) والله أعلم. * قال صاحب عون المعبود شارحًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار): أي: عند صدور معصية وظهور بلية أو من داوم عليه فإنه في كل نفس يحتاج إليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا) [رواه ابن ماجه بإسناد حسن صحيح]. من كل ضيق: أي: شدة ومحنة. مخرجًا: أي : طريقًا وسببًا يخرج إلى سعة ومنحة والجارُّ متعلق به وقدم عليه للاهتمام وكذا. ومن كل هم: أي: غم يهمه. فرجًا: أي خلاصًا. ورزقه: حلالاً طيبًا. من حيث لا يحتسب: أي: لا يظن ولا يرجو ولا يخطر بباله. والحديث مقتبس من قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْء قَدْرًا}. [الطلاق: 2 3] كذا في المرقاة (عون المعبود). * وقال أيضا في شرحه لهذا الحديث: وإن العالم ليستغفر له. قال الخطابي: إن الله سبحانه قد قيض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان العلم على ألسنة العلماء أنواعًا من المنافع والمصالح والأرزاق فهم الذين بيَّنوا الحكم فيما يحل ويحرم منها وأرشدوا إلى المصلحة في بابها وأوصوا بالإحسان إليها ونفي الضرر عنها فألهمها الله الاستغفار للعلماء مجازاة على حسن صنيعهم بها وشفقتهم عليها (عون المعبود) . * عن أبي المنهال قال: ما جاور عبد في قبره من جار خير من استغفار كثير (الزهد لأحمد بن حنبل). * قال صاحب التحفة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. قوله: إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. إما مفعول به منصوب بفعل مقدر أي أسألك غفرانك أو أطلب أو مفعول مطلق أي اغفر غفرانك وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج بهذا الدعاء وجهان: أحدهما: أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فإنه يذكر الله تعالى في سائر حالاتها إلا عند الحاجة. وثانيهما: أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج فلجأ إلى الاستغفار اعترافًا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم كذا في المرقاة. قلت: الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني [رواه ابن ماجه]. قال القاضي أبو بكر بن العربي: سأل المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة ثم قال: فإن قيل إنما تركه بأمر ربه فكيف يسأل المغفرة عن فعل كان بأمر الله ؟ والجواب: أن الترك وإن كان بأمر الله إلا أنه من قبل نفسه وهو الاحتياج إلى الخلاء انتهى. فإن قيل: قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما معنى سؤاله المغفرة ؟ يقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب المغفرة من ربه قبل أن يعلمه أنه قد غفر له وكان يسألها بعد ذلك لأنه غُفِرَ له بشرط استغفاره ورُفِعَ إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة والكل له حاصل بفضل الله تعالى قاله ابن العربي (تحفة الأحوذي). * قال الفقيه: حدثنا أبي - رحمه الله تعالى - بإسناده عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: من رزق ستًا لم يحرم ستًا من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب } [الزمر: 10]. ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى : 25]. ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارً) [نوح: 10]. ومن رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] (بحر العلوم للسمرقندي).