كم يغفل هذا الخلق عن شعار الفقر بركعتي استخارة تهديان إلى منازل السعادة وتنشئان للعبد كونًا خاصًّا يسلم فيه من آفات النقص والضعف والعجز الإنساني! وإنه لمشهدٌ عظيمٌ يرقى بالعبد إلى سدرة المنتهى إذ يقف في كسوة الذل بين يدي ربه مستخيرًا يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسأل من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب.. وما هذا الحرف الجليل إلا إعلانُ فقر بين يدي رب العالمين يقول فيه العبد: لن أفعل حتى تأذن وتبارك! وأرجو أن تمثل لنفسك نبيلًا من الناس كريمًا في قومه يعرفونه بالحكمة وسداد الرأي.. يأتي إليه من يستشيره لا يفارق مشورته ولو كان المستشير لئيما أفيليق به أن يدله على ما فيه ضره وهلاكه وقد جاء إليه واعتصم به؟! فكيف بالذي يعلم السر وأخفى وهو يرى عبده آتيًا إليه لائذًا به فارغًا من شهود نفسه الضعيفة.. فإنه ليكرمه ويعصمه ويهديه ويسدده ويرشده ويؤيده ويجعله في خِفارة الحفظ ومَعِيَّة الإعانة ويُبارك له وعليه ويجعل له دربًا مطمئنًا يابسًا في بحر الحياة المضطرب المتلاطم! ولعل هذا يكشف لك سر تعليم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الاستخارة في كل شيء كما يعلمهم سورة الفاتحة! وإنه لوقت يسير في ركعتين صغيرتين تتقدمان العمل فتعصمانه وتسددانه وكم من ناس هذا المشهد المتدثر بالجود والحفظ فلا يزال يشكو عثرات الحياة وصعاب الطريق! ولو أنه سجد! ويا ليته سجد!..