سطيف 1925، عائلة جزائرية بسيطة، عاشت على فلاحة وزراعة أرض توارثتها منذ أجيال طويلة، أرض هي ملك لهم بالغريزة والفطرة والوجود، لم يكونوا محتاجين لما يثبت أنها أرضهم، فقد ولدوا فيها، وولد فيها آباؤهم من قبل، وولد فيها أبناؤهم، وكانت دائما أرضهم وقوتهم ومصدر عزتهم وكرامتهم قبل أن تُنتزع منهم بالقوة، باسم القانون، القانون الذي وضعه القوي ليجير به على الضعيف ويُخضعه لسلطته، ويحرمه من أرضه ومن خيراتها، فتضطر العائلة البائسة إلى ترك كل شيء، كل شيء إلا حفنة من تراب، كانت كل حظها من أرض هي في البدء وفي الأصل ملكها، وتغادر العائلة منكسرة ذليلة موجوعة ولكنها تدرك أنها لا بد ستعود يوما. يجسد المخرج المتميز رشيد بوشارب في »الخارجون عن القانون«، معيشة الكثير من العائلات الجزائرية خلال الحقبة الممتدة من الثلاثينيات إلى الخمسينيات، عبر اختزالها في هذه العائلة البسيطة، المتكونة من الأب والأم وأبنائهما الثلاثة، مسعود وسعيد وعبد القادر، عائلة بسيطة انتزعت منها أرضها في إطار السياسة الاستعمارية التي كانت تتبعها فرنسا لحرمان الجزائريين من أراضيهم وممتلكاتهم ومنحها للمعمرين، لتجد العائلة نفسها معدمة، تعيش في بيت متواضع بالمدينة، قبل أن تستيقظ ذات يوم على أصوات المئات من المتظاهرين الذين خرجوا لمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها ومنح الجزائر استقلالها بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، المظاهرات التي انتهت بسقوط أكثر من 40 ألف جزائري من بينهم الأب، لتجد الأم نفسها وحيدة في ظل وجود ابنها الأكبر مسعود مجندا في صفوف الجيش الفرنسي بالهند الصينية، واعتقال ابنها الأوسط عبد القادر، الذي كان صاحب فكر وذكاء متوقد، وسجنه في فرنسا، ولم يبق معها إلا الابن الأصغر سعيد المتلهف على الحياة وعلى المال بعيدا عن حياة البؤس والشقاء التي أراد التحرر منها بأي شكل، خاصة بعد اندلاع الثورة التحريرية، لذلك يحاول جاهدا إقناع والدته بمغادرة أرض الوطن نحو فرنسا، ويقنعها أنهما سيعيشان بسعادة هناك وسيلتقيان بعبد القادر ومسعود، ويتمكن فعلا من إقناعها بقدرتها على احتضان أطفالها الثلاثة مجددا، فتستسلم لذلك الأمل. وفي بيوت من الخشب والصفيح وأحياء تنعدم فيها أبسط ضروريات الحياة بقلب العاصمة الفرنسية باريس، يصور لنا رشيد بوشارب الحياة التي كان يعيشها الجزائريون هناك، حيث البطالة والفقر ومآسي الإنسانية كلها تحالفت ضد شعب لم يرد شيئا غير الحياة، اغتُصبت منه أرضه، وانتُزعت منه كافة حقوقه في وطن لم يحمل منه إلا حفنة تراب كانت لتكون مؤنسه إذا ما جمعه قبر في أرض غير أرضه، ولا تجد الأم ما تفعله غير قبول واقعها الجديد وانتظار ما سيحمله لها الغد، فيما يحاول الابن الأصغر سعيد الهروب من حياة البؤس والفقر التي وجدها بفرنسا، فيفكر بالتالي في امتهان أي عمل يدر عليه أرباحا كبيرة في فترة زمنية قصيرة، وسرعان ما يتعرف على أحد سكان الحي الذي يقطن فيه، والذي يقنعه بممارسة بعض الأعمال القذرة، ويصور المخرج اتجاه بعض الفتيات الجزائريات المقيمات بهذه الأحياء إلى بيع أجسادهن لكسب قوتهن، ويتولى سعيد مهمة نقل إحداهن وتوفير مكان مناسب لها لممارسة مهنتها، وسرعان ما تصبح الأمور سهلة بالنسبة إليه وتجد الأموال طريقها إلى يديه! ولكنها أموال »حرام« ترفض والدته الأكل منها وتفضل الموت جوعا وبردا على لمسها. ويجسد جمال بودبوز شخصية سعيد الشاب الجزائري المتمرد على فقره وبؤسه، والذي أحسن استغلال الفرص التي أتيحت له في المجتمع الفرنسي من خلال امتلاكه »كازينو« كبير وصالة ملاكمة يوجه جزءا من مداخيلها لصالح الثورة الجزائرية فيما بعد. وبأحد السجون الباريسية يظهر لنا عبد القادر الفتى الذي كان مشبعا بالأفكار التحررية والنضالية، وهو يتلقى المزيد من دروس الوطنية على يد عدد من الشبان الجزائريين المثقفين الذين اعتقلتهم فرنسا وينتظر كل منهم عقوبته ما بين حكم الإعدام بالمقصلة والسجن المؤبد أو السجن سنوات طويلة، ومع ذلك يُظهر رشيد بوشارب أن السجن لم يكن بالنسبة لعدد كبير من الشبان الجزائريين، غير قاعدة صلبة لبناء الفكر التحرري وغرس الروح الثورية في نفوسهم، والتعلم من تجارب الشعوب التي سبقت الجزائر إلى إعلان ثورتها على مستعمريها. ويخرج عبد القادر من السجن عازما على تغيير حياته وواقع شعبه، ومحاربة هذا المستعمر الذي اغتصب أرضهم، من أرضه، ويقوم رفقة شقيقه الأكبر مسعود بعد عودته من الحرب، بالتأسيس للنواة الأولى لخلية الثورة تحت لواء جبهة التحرير الوطني بفرنسا، فيعمل على إقناع الجزائريين في كل مكان بالانضمام لصفوف الثورة ومساعدتها، وينجحان بالفعل في إقناع الكثيرين ودفعهم إلى خدمة وطنهم انطلاقا من أرض المستعمر والتبرع لصالح الثورة الجزائرية. كما يكشف لنا الفيلم عن كثير من الفرنسيين الذين اقتنعوا بعدالة القضية الجزائرية وضحوا بأنفسهم في سبيل نصرة ومساعدة الثورة التحريرية الكبرى، ك »هيلين«، التي أحبت الجزائر وأحبت الثورة وأحبت عبد القادر ولكنها دفعت حياتها ثمنا لذلك الحب. ويكشف الفيلم من ناحية أخرى التضحيات الكبيرة التي قدمها الشبان الثوريون الجزائريون المقيمون في فرنسا لأجل خدمة الثورة الجزائرية، ونذرهم أنفسهم وأرواحهم في سبيلها، وكيف كان كثيرون منهم يتخلون عن كل مظاهر وملذات الحياة التي كان غيرهم من الشباب يتهافتون عليها، وتحمّلهم كافة الضغوطات النفسية والعصبية التي كانت تفترسهم كل يوم، خاصة في ظل العمليات الكبيرة والخطرة التي كانوا يقومون بها كالتخطيط لاغتيال كبار رجل الشرطة، وجلب السلاح والتصدي لمخططات البوليس الفرنسي وبعض الخونة، وجمع الأموال لدعم الثورة وغيرها.