من بين أنهار الدم التي أسالها جنود المرتزقة الأفارقة الذين أتوا مدججين بالسلاح لدعم نظام معمر القذافي في ليبيا، تسطر بعض القطرات قصصا حزينة لشهيد أو شهيدة، كانوا يحلمون بغد مشرق، ووطن حر، لكن رصاصة غادرة اغتالت كل ذلك، وأحالت أحلامهم الخضراء واقعا مضرجا بالأحمر القاني. من بين هؤلاء الشهداء ال80 الذين تم حصرهم حتى الآن في مدينة البيضاء شرق البلاد، يذكر أهالي البيضاء تلك القصة البشعة التي أقدم عليها مرتزقة نظام العقيد القذافي عندما أسروا شقيقين من الليبيين واحتجزوهما داخل كتيبة الساعدي الأمنية بالبيضاء ليفاوضوا عليهما الثوار بأسرى المرتزقة لديهم. من بين الدوافع التي دفعت المرتزقة إلى هذا شعورهم بأن سقوطهم مسألة وقت بعد رفض سكان الغرب الانضمام للمرتزقة وجنود القذافي في القضاء على الثوار. عندها بدأ المرتزقة يمارسون ما أسماه محمود مفتاح بودرويش (الأسير مع أخيه) أمراضهم النفسية الإجرامية على الأسرى، وذلك بهدف إرهاب الليبيين الغربيين ودفعهم للانصياع لأوامرهم بإطلاق النار تجاه إخوانهم من المشرق. وبعد فاصل من الضرب والتعذيب، قام المرتزقة بقطع شرايين يد الشهيد التواتي مفتاح بودرويش، وقاموا بصب دمائه في إناء وأجبروا أخاه محمود على احتساء دماء شقيقه. "لو كان معه نووي لضربنا به" ورغم أن الثوار الليبيين استطاعوا تحرير الأسرى بعد اقتحام القاعدة فإن محمود مفتاح لا يزال الحزن بل ومشاعر الفزع تبدو على وجهه، وأحيانا يصحو من نومه فزعا بسبب ردات فعل نفسية بعد استشهاد أخيه أمام عينيه وإجباره على احتساء دمائه. وبينما الوجوم يسيطر على ملامح وجهه قال محمود: "إنهم مثل الإسرائيليين، ما حدث يؤكد أن هذا النظام بلا رحمة، لقد استقدم مرتزقة مصابين بأمراض نفسية تجعلهم يتلذذون بالتعذيب.. لو كان مع القذافي قنبلة نووية لضربنا بها". الجريمة أكبر من القتل بعدها لم يرد محمود على أي أسئلة أخرى وكأنه لا يسمعنا، بل راح يكرر أن القذافي لو كان لديه قنبلة نووية لضرب شعبه بها، ويضغط على الحروف بطريقة عصبية. وبينما كان أحدُ أقاربه يدخله إلى غرفته قال ابن عمه د. حافظ عيسى: "إن محمود سيحتاج وقتاً لكي تتعافى جراحُه النفسية أطول من الوقت الذي يحتاجه لشفاء جراحه الجسدية، ومن المؤسف أن لدينا فقراً في تخصصات الطب النفسي، ولا يتم طلبه من الأطباء القادمين من مصر في لجان الإغاثة". وأضاف: "ومن المؤسف أكثر أن هذه الجرائم يتم اختزالها في رقم، فيقال في حادثة كتلك "شهيد واحد" بينما الحقيقة أن الجريمة أكبر من قتل شخص.. إنها جريمة واحدة لكنها بألف جريمة، والجريمة النفسية في حق محمود أكبر بكثير من الضرب الجسدي".