قدّمت الكاتبة مليكة بورنان، أوّل أمس، بمكتبة "الاجتهاد" بالعاصمة، روايتها الجديدة الصادرة منذ أيام بعنوان "أمي" . استعرضت عبر تفاصيل أحداثها، حياة البطلة عائشة، التي عاشت لأكثر من قرن، حلوَ ومرّ الحياة، تاركة العبرة ودروس التجارب. كما إنّ الرواية تكريم للمرأة الجزائرية مربية الأجيال، والمدرسة الأولى للحياة. وهي، أيضا، صور موثّقة من تراث العاصمة العريق. أشارت الكاتبة إلى أنّ سبب صدور هذا الكتاب (ثالث كتاب تصدره)، هو أنّها سمعت ذات مرة، والدتها السيدة عائشة، تقول في جلسة عائلية: "ليتني أجد من يسجّل حياتي في كتاب" ، وبالتالي حقّقت السيدة بورنان أمنية والدتها. حكايات المرأة القابلة الرواية تحمل عنوان "أمي" (بالفرنسية). وقامت الكاتبة (متقاعدة منذ سنوات) بسرد حياة والدتها السيدة عائشة، التي توفيت وعمرها قرن و3 أشهر. وقالت إنّها ورثت عن أمّها مهنة القابلة؛ فقد تمكّنت مليكة من اجتياز مسابقة مهنة التوليد؛ ما أسعد والدتها، مؤكّدة أنها عشقت هذه المهنة النبيلة نتيجة حكايات والدتها، وما كانت ترويه من قصص عن نساء القصبة (كنّ في البيوت لا يخرجن) اللواتي تدخل بيوتهن لتشهد ميلاد حياة جديدة. كذلك ظروف عملية التوليد، وغيرها من الحكايات الجميلة؛ منها توليدها سيدة فرنسية كانت تعاني في بيتها، لم تستطع الخروج بسبب الظروف التي كانت تعيشها الجزائر في زمن "لواس" ، لتولّدها، وتُدخل السرور على عائلتها، فسأل هؤلاء الفرنسيون عائشة عن سبب هذا التمكّن، وأين تعلّمت المهنة، ليتم إعطاؤها تصريحا بممارستها بشكل رسمي. وتحكي الرواية قصة أم جزائرية حنون عانت ويلات ثورة التحرير، وعاشت، أيضا، أياما سعيدة مع والدها، ثم زوجها؛ لذلك حرصت الكاتبة على أن يكون غلاف الرواية مبرزا لامرأة جزائرية أصيلة، تلبس الحايك والعجار والسروال المدوّر، وتقف في القصبة التي لم تتوقّف عائشة عن صعود ونزول سلالمها؛ لإغاثة النساء، ومساعدتهن أثناء الولادة. الأب والزوج.. رفيقا حياة عائشة (قصة حقيقية من بدايتها إلى نهايتها) عاشت اليتم وكانت في سن الخامسة، لتعيش مع والدها، ويتكفّلا ببعضهما سنوات إلى أن يقرّر الأب مغادرة القصبة إلى الدشرة في ذراع الميزان؛ ما يُحدث شرخا في داخلها، لكنها سرعان ما تتأقلم مع حياة الريف الساحر بطبيعته، وطيبة أهله، خاصة عمّتها الزهور الحنون، التي عوّضتها عن غياب أمها. وهنا قرأت الكاتبة مقطعا مؤثّرا من روايتها (ص39) ذات الأسلوب الشاعري المفعم بالمعاني الإنسانية. وبعد 10 سنوات يقرّر الأب العودة إلى القصبة، فتعيش عائشة شرخا آخر خاصة مع زواج أبيها، علما أنه بعدها، طلق عدّة زوجات؛ بسبب سوء معاملتهن لعائشة، وحتى الزوجة الأخيرة كانت تعتمد على عائشة في كلّ أشغال البيت، وحتى في تربية أخيها اعمر، إلى أن تزوّجت عائشة. وهنا قالت الكاتبة إنّها حرصت على عرض تفاصيل كثيرة من تراث القصبة (قرأت الصفحة 85). وقدّمت تفاصيل العرس من يوم الحمّام مع الناظرة والطيابات، ولباسه من الفوطة والبنيقة والتفريشة، وكذلك الماشطة والتقدام، ومرافقة النسوة لعائشة وهي ترتدي الحايك. وقالت معلقة: "أمي ظلّت محتفظة بلباس الحمّام وبلباس عرسها، حتى سلّمته لأختي الكبرى عند زواجها). وتأسّفت المتحدّثة لكون هذا التراث يسير نحو الزوال. ظروف الحرب القاسية درس آخر للحياة تحدّثت الكاتبة عن زوج عائشة (والدها) الذي كان إنسانا محترما، وابن عائلة، لكن ظروفه القاسية أحيانا، جعلت عائشة تتأقلم معها؛ من ذلك البطالة، فراحت تشتغل في بيتها في الفتلة، والمجبود، والشبيكة، والشواشي، لتصرف على عيالها (كان سعيدا بازدياد البنات بعد أن كان له 4 ذكور). وبعدها استُدعي الزوج عنوة، للالتحاق بجبهة القتال في الحرب العالمية الثانية، فأصيب بمرض التيفوس، فسُرح، ليعود ثم يُتوفى. وتتوالى الأحداث بكلّ تفاصيلها وصولا إلى الثورة التحريرية؛ إذ يلتحق ولداها من بين 4 ذكور، بالثورة، أحدهما يدعى سيد علي، التحق بالجبل ولم يعد، أما محمد فقد أُعدم. وبالمقابل، ذكرت المتحدّثة حبّ أمها للعلم. وقالت إنّها قرّرت مساعدة أم إيطالية لتقوم برعاية ابنها، وألحقته بأبنائها بالبيت. وطلبت منهم تعلّم الإيطالية من هذا الصغير، لتبقى هذه الأم شاهدة على حقبة عاشتها الجزائر، وصورة حية للعيش بالمدينة والريف. وتميّزت المناقشة بالثراء، وبالشهادات الكثيرة؛ من ذلك شهادة الأستاذ فاتح صاحب مكتبة، الذي عبّر عن مقته للمستعمر، علما أنّ والدته ماتت في الثورة، فتكفّلت كلّ سيدات الحي بإرضاعه، وهذا دليل، حسبه، على نبل المرأة الجزائرية، فيما ذكر آخر ويلات المرأة المتزوجة من الفدائي أو الجندي إبان الثورة، خاصة عند حملها، ووضعها؛ حيث يثير تسجيل المولود في السجل المدني، شكوك المستعمر. كما كان هذا اللقاء إدانة للكاتبَين صنصال وداود، اللذين لم يكفّا، حسب الحضور، عن شتم الشعب الجزائري، زيادة على تضامن الحضور مع المقاومة في فلسطين.