قواعد عسكرية ب حجة مكافحة الإرهاب والهجرة ** مثلت الفوضى التي باتت السمة الأبرز في المشهد الليبي احدى أبرز ذرائع مختلف القوى الدولية للتواجد على الأراضي الليبية.وتبدو إيطاليا التي تخشى تهميش دورها في مستعمرتها القديمة مصرة على التواجد بقوة تحت ذريعة الجهود الساعية إلى حل الأزمة العصية والوصول بالبلد الممزق إلى حالة من التوافق ترسخ السلام والأمن فيه. ق.د/وكالات يتصاعد الجدل حول النوايا الإيطالية للتدخل فى ليبيا خاصة في ظل تضارب الأنباء بشأن إقامتها لقاعدة عسكرية لدعم جهود السلطات في طرابلس للتحكم في الحدود الجنوبية لليبيا للسيطرة على تدفقات الهجرة. وقالت وكالة أكي الإيطالية يوم الجمعة 15 سبتمبر 2017 إن وزارة الداخلية الإيطالية اتفقت مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مشروع إيطالي يموله الاتحاد الأوروبي. ويتمثل المشروع في إرسال بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا تكمن أهدافها الرئيسية في بناء قاعدة لوجيستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي والسماح بتواجد مناسب لمنظمات الأممالمتحدة في المنطقة .وذكرت وزارة الداخلية في روما أن الاتفاق تمّ بمقرها خلال اجتماع اللجنة المشتركة تنفيذا لمذكرة التفاهم الإيطالية-الليبية برئاسة وزير الداخلية ماركو مينيتى من الجانب الإيطالي ووفد ليبي يتألف من ممثلين عن وزارة الداخلية والدفاع والخارجية برئاسة وكيل وزارة الداخلية عبدالسلام عاشور. وكشفت صحيفة الجورنالي الإيطالية أن البعثة العسكرية والأمنية الإيطالية المتفق عليها والتي سيتم إرسالها إلى جنوب ليبيا تتكون من زهاء 100 من العسكريين. وأكدت أن مهمة البعثة هي تدريب حرس الحدود الليبيين في جنوب البلاد وتوفير الأمن لموظفي الأممالمتحدة وبهدف التصدي لتهريب المهاجرين. ويأتي هذا الاتفاق في أعقاب مذكرة التفاهم التي وقعها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج في روما مطلع فيفري الماضي مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني التي سمحت لإيطاليا بارسال بعثة عسكرية للعمل في المياه الإقليمية الليبية وحظيت بمعارضة شديدة من الليبيين الذين اعتبروها عودة للاستعمار. وتعليقًا على هذه الأنباء عبّر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح في تصريح تلفزيوني السبت الماضي عن رفضه للاتفاق مؤكدا بأن إرسال إيطاليا بعثة إلى الجنوب الليبي يعد ذلك تدخلا خارجي في ليبيا .وأشار صالح بأن حكومة الوفاق لا يحق لها عقد أي اتفاقيات لعدم نيلها ثقة مجلس النواب .ولفت صالح بأن مجلس النواب يرفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في ليبيا ويعدّه انتهاك للسيادة الوطنية . من جهتها سارعت حكومة الوفاق الوطني الى نفي اتفاقها مع روما على إقامة معسكرات إيطالية في الجنوب الليبي. وجاء ذلك في تصريح لمدير الإدارة العامة لأمن السواحل رئيس غرفة العمليات الليبية الإيطالية المشتركة العقيد طارق شنبور نشرته الصفحة الرسمية لحكومة الوفاق الوطني الليبية على موقع فيسبوك.وأكد شنبور أن الاجتماع تناول استعراض الاحتياجات التي تساعد إدارة أمن السواحل في تنفيذ المهام الموكلة لها لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب . وتشكو إيطاليا من أنها تُركت وحيدةً في مواجهة أزمة الهجرة مطالبة شركاءها الأوروبيين بمزيد من التضامن معها.حيث سبق أن تولت روما قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقًا من الشواطئ الليبية نحو شواطئ جزيرة لامبادوزا. وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج قد وقع في روما مطلع فبراير الماضي مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني مذكرة تفاهم لدعم مراقبة الهجرة غير المنظمة ومكافحة الإتجار بالبشر والتهريب والسيطرة على الحدود الجنوبية. وفي جويلية الماضي قال السراج إن ما تم الاتفاق عليه مع إيطاليا هو استكمال برنامج دعم خفر السواحل بالتدريب والتجهيز بقدرات تسليحية ومعدات تمكنه من إنقاذ حياة المهاجرين ومواجهة المنظمات التي تقف وراء الهجرة وعمليات التهريب إضافة لدعم حرس الحدود وتزويدنا بمنظومة إلكترونية لتأمين ومراقبة الحدود الجنوبية .وفي الشهر ذاته التقى وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي السراج بالعاصمة طرابلس حيث أشاد الأخير في حينه بدعم إيطاليا لحكومة الوفاق الوطني وما تبذله من جهود في مساعدة ليبيا على تخطي الأزمة الراهنة. ولا يعد الحديث عن التواجد العسكري الإيطالي في ليبيا بجديد ففي أفريل 2016 تداولت وسائل الإعلام العالمية خبراً يفيد بتعرض دورية مشتركة من القوات الخاصة البريطانية والإيطالية لهجوم نيراني من داعش أثناء تحرك القوات من مصراتة إلى سرت. وفي سبتمبر 2016 أرسلت إيطاليا مجموعة من العسكريين قالت إنهم سيتولون حماية الكادر الطبي والشبه الطبي الذي سيعمل في المستشفى الميداني بمصراتة لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص. وفى أوت 2017 صادق البرلمان الإيطالي على مشروع قانون بإرسال بواخر إلى المياه الليبية لوقف الهجرة غير القانونية ومنع تهريب البشر في اتجاه أوروبا في اتفاق بين إيطاليا وحكومة السراج. وقوبل هذاالقرار بردود فعل غاضبة في الأوساط الليبية حيث أعلن مجلس النواب الليبي رفضه لأي إتفاقية عقدها المجلس الرئاسي المقترح أو أي طلب قُدم منه لدولة إيطاليا يُسمح من خلاله بانتهاك السيادة الوطنية للبلاد تحت ذريعة تقديم المساعدة والدعم لمكافحة الهجرة غير الشرعية. فيما أعرب نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فتحي المجبري عن إدانته للانتهاك الصارخ للسيادة الليبية من خلال السماح لقطع عسكرية أجنبية بدخول الأراضي الليبية. وبالتزامن مع العملية البحرية كثّف السلاح الجوي الإيطالي طلعاته الجوية في سماء ليبيا وكشف موقع مراقب رادار إيطاليا عن مباشرة سلاح الجو الإيطالى تسيير دوريات جوية فوق المياه والأراضى الليبية ونشر الموقع صور بالرادار لطائرة مراقبة تابعة لسلاح الجو الإيطالى من طراز غلف ستريم والتى غادرت قاعدة براتيشيا دى مارى الجوية وعبرت صقلية نحو أجواء ليبيا وذلك بالتزامن مع دخول الفرقاطة الايطالية كمندانتى بروسيني للمياه الاقليمية الليبية قبالة ساحل طرابلس. وبررت روما الطلعات الجوية لطائراتها الحربية بأنها تهدف لمراقبة الوضع العام ورصد أي تحركات وصفتها بالمشبوهة إلى جانب دعم البعثة العسكرية التي بدأت عملها في المياه الإقليمية الليبية.لكن صحيفة الماتينو الإيطالية كشفت أن طائرات التجسس حلقت في بعض الأحيان شرق ليبيا حيث البرلمان ومقر القوات الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر. كما أشارت تقارير اعلامية أن طائرات التجسّس الإيطالية التابعة لسلاح الجو الإيطالي حلّقت فوق مدينة الخمس وأيضا مدينة مصراته رغم أنها ليست منطقة انطلاق لقوارب الهجرة غير الشرعية التي تسعى للوصول إلى سواحل القارة العجوز وبإمكان الطائرات الإيطالية التصوير الجوي والمساحي عالي الدقة وأيضا جمع بيانات متعددة الأغراض منها العسكري والاستخباراتي والمدني. وعلى الرغم من التطمينات التي تسوقها الدبلوماسية الايطالية لتبرير تواجدها لى الأراضى الليبية فإن أصوات عديدة تشير إلى نزعتها الإستعمارية ورغبتها في حماية مصالحها في مستعمرتها القديمة.وفي هذا السياق تشير صحيفة بوليتيكو الأمريكية أن الهدف الحقيقي وراء اهتمام إيطاليا بليبيا هو حماية شركة إيني النفطية والحفاظ على بقائها للسيطرة على تجارة النفط داخل ليبيا بعيدا عن فرنسا وبريطانيا. ويرى الجانب الإيطالي في ليبيا منطقة نفوذ له فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992 فقد ظلت شركة إيني الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003. وينظر الليبيون اليوم بعين الشك إلى التواجد العسكري الإيطالي في ليبيا والنوايا الحقيقية التي تكمن وراءه حيث يشكل دخول قوات إيطالية إلى البلاد استفزازاً لمشاعر الليبيين الذين لازالت ذاكرتهم تحتفظ بما تعرض له آباؤهم وأجدادهم من ويلات خلال حقبة احتلال ايطاليا الفاشية لليبيا.