*الشيخ: قسول جلول في هذه الأيام نحن في مسيس الحاجة إلى أن نعيش الحياة وكلنا أملٌ في الله عز وجل حتى نوفَّق للعمل من أجل مرضاة الله تعالى. والأمل لا بد منه لنجاح الإصلاحات وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به وبلا يد تمسك بالسلاح فأَنَّى يرتقب له انتصار وفلاح؟ لَقدْ جعلَ اللهُ - تعالَى- الحياةَ الدنيا كثيرةَ التقلُّبِ لا تستقيمُ لأَحد علَى حال ولا تَصْفُو لمخلوق مِنَ الكَدَرِ فَفِيها خيرٌ وشرٌّ وصلاحٌ وفسادٌ وسُرورٌ وحُزْنٌ وأملٌ ويأْسٌ ويأتِي الأملُ والتفاؤلُ كشُعاعَيْنِ يُضِيئانِ دياجِيرَ الظلامِ ويشقَّانِ دُروبَ الحياةِ للأنامِ ويَبْعَثان في النَّفْسِ البشريَّةِ الجِدَّ والمثُابَرةَ ويلقِّنانِها الجَلَدَ والمصُابَرَةَ فالله عز وجل حرَّم اليأس وندَّد بالقنوط فقال على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: _ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ _ يوسف:87 وقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: _ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر: 56. وبعث لنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة أمرنا بالتيسير والتبشير فرُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا). فإنَّ الذي يُغْرِي التاجرَ بالأسفارِ والمخاطرةِ: أَمَلُهُ في الأرباحِ والذي يَبْعثُ الطالبَ إلى الجدِّ والمثُابرةِ: أملُهُ في النجاحِ والذي يحفِّزُ الجنديَّ إلى الاستبسالِ في أرضِ المعركةِ أملُهُ في النصرِ والذي يُحبِّبُ إلى المريضِ الدواءَ المُرَّ: أملُهُ في الشِّفاءِ والطُّهْرِ والذي يدعو المؤمنَ أنْ يُخالِفَ هَواهُ ويُطيعَ مَوْلاهُ: أملُه في الفوزِ بجنَّتِهِ ورِضاهُ فهوَ يُلاقِي شدائِدَها بقلب مُطْمَئِن ووجْه مُسْتبشر وثَغْر باسم وأمَل عَريض فإذا حارَبَ كانَ واثِقًا بالنصرِ وإذا أعْسَرَ لم يَنقطِعْ أملُهُ في تبدُّلِ العُسْرِ إلى يُسْر وإذا اقترفَ ذنبًا لم يَيْئَسْ مِنْ رحمةِ اللهِ ومغفرَتِهِ تَعلُّقًا وأملًا بقولِ اللهِ تعالىَ: _ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ _ الزمر: 53. فالأمل إذًا هو أكسيجين الحياة ودافع نشاطها ومُخفف وَيْلاتها وباعث البهجة والسرور فيها. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! والأمل - قبل ذلك كله - شيء حلو المذاق جميل في ذاته تحقق أو لم يتحقق لقد حرم الله تعالى اليأس واعتبره قرين الكفر فقال تعالى: _ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ _ يوسف: 87. وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال فقال تعالى: _ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ _ الحجر: 56 وأجمع العلماء أنهما من الكبائر بل أشد تحريمًا وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله والقنوط من رحمة الله واليأْس من رَوح الله والأمن مِن مكر الله). واليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى فقال تعالى: _ وَإِذَااَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا _ لإسراء: 83 واليأس سبب لفساد القلب قال ابن القيم وهو يعدِّد الكبائر: (الكبائر: القنوط من رحمة الله واليأْس من روح الله وتوابع هذه الأمور التي هيأشد تحريمًا من الزنا وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها والتوبة منها وإلا فهو قلب فاسد وإذا فسد القلب فسد البدن). ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين ينفِّرون الناس ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا قال الرجل: هلَك الناس فهو أهلكهم)) أمل لا بد منه والأمل لا بد منه لتقدُّم العلوم فلو وقف عباقرة العلم والاختراع عند مقررات زمنهم ولم ينظروا إلا إلى مواضع أقدامهم ولم يمدهم الأمل بروحه في كشف المجهول واكتساب الجديد من الحقائق والمعارف ما خطا العلم خطواته الرائعة إلى الأمام ووصل بالإنسان إلى ما وصل إليه والأمل لا بد منه لنجاح الرسالات والنهضات وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به وبلا يد تمسك بالسلاح فأَنَّى يرتقب له انتصار وفلاح؟ وإذا استصحب الأمل فإن الصعب سيهون والبعيد سيدنو والأيام تقرب البعيد والزمن جزء من العلاج والمثل الأعلى للمصلحين سيدنا رسول الله صلوات الله عليه فقد ظل في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو قومه إلى الإسلام فيَلْقَوْن دعوته بالاستهزاء وقرآنه باللغو فيه وحججه بالأكاذيب وآياته بالتعنت والعناد وأصحابه بالأذى والعذاب فما لانت له قناة ولا انطفأ في صدره أمل. ماذا تسمي هذا الشعاع الذي يبزغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة فينير الطريق ويبدد الظلام؟ إنه الأمل وإن شئت فهو الإيمان بنصر الله: _ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ _ الروم:5 6. وهَذا إبراهيمُ عليهِ السلامُ قَدْ صارَ شَيْخًا كبيرًا ولَمْ يُرْزَقْ بَعْدُ بِوَلَد فيدفَعُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بربِّهِ أنْ يَدْعُوَهُ: _ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ _ الصافات: 100 فاستجابَ له ربُّهُ ووَهَبَ لهُ إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلامُ. وموسى حين يسري بقومه لينجو بهم من فرعون وجنوده فيعلمون بسراه ويحشدونالحشود ليدركوه: _ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ _ الشعراء:60 ولم يضيع أمله سُدى _ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ _ الشعراء: 63 ونبيُّ اللهِ يعقوبُ عليهِ السلامُ فَقَدَ ابنَهُ يوسفَ - عليهِ السلامُ - ثُمَّ أخاه ولكنَّه لم يتسرَّبْ إلى قلبِهِ اليأسُ ولا سَرَى في عُروقِهِ القُنوطُ بَلْ أمَّلَ ورَجا وقالَ: _ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ _ يوسف: 83. وانظر أخي الكريم إلى سورة الشرح التي كانت تتضمن اليسر والأمل والتفاؤل للنبي صلى الله عليه وسلم وتذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنعم الله عليه ثم اليسر بعد العسر والطريق لهذا اليسر هو النَّصَب والطاعة لله عز وجل والرغبة والأمل في موعود الله عز وجل قال تعالى: _ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ _ الشرح: 1 - فلقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الفأْلُ لأنَّه حُسْنُ ظَنّ باللهِ سبحانه وتعالى فقَدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَنْأنس رضي الله عنه أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ويُعجِبُنِي الفأْلُ: الكَلِمَةُ الحسَنَةُ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ)) فبالأملِ يذوقُ الإنسانُ طَعْمَ السعادَةِ وبالتفاؤُلِ يحِسُّ بِبَهْجَةِ الحياةِ. وصية نبوية والإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه وتمنحه دافعًا قويًّا للعمل بينما التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه ويُصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسِّروا ولا تُعسِّروا وبَشِّروا ولا تُنفِّروا إننا بحاجة ماسة وخاصة في هذه الأيام كردعلى دعاة التشاؤم والحرقة والإنتحار إلى تغذية الإيمان بالله تعالى على أساس واضح من الثقة الكاملة في قوة الله التي تعالى .. دخل الإسلام وما زال ينتشر في كل دول العالم وكل يوم نسمع عن أناس يعتنقون الإسلام برغم حملات التنصير الموجهة إلى الدول الفقيرة ولا تزال المساجد مَلأَى والقرآن يتلى يبعث في الأمة الأمل والعمل لإحياء مجدهم. فهل بعد هذا نَيْئس؟ هل يتضاءل الأمل أم يتضاعف؟ هل تنهار آمالنا و نوازعنا أو تقوى عزائمنا؟ هل نذوب أخلاقنا ومبادئنا ؟ أم نتحلى بالطهر والصون والعفاف؟ بعد الكلام عن الأمل يبقى لنا أن ننتقل من الأماني الفارغة إلى العمل الجاد فالأماني الفارغة لا تُغير من الواقع شيئًا فلا بد من العمل والأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى وليس علينا تحقيق النتائج وأنكر القرآن الكريم على أهل الكتاب تعلُّقهم بالأماني في دخول الجنة بغير أسبابها ومُوجباتها من العمل والإيمان قال تعالى: _ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ _ البقرة: 111 وكان الإنكار على المسلمين أيضًا! فلا التسمي بالإسلام أو مجرد الانتساب إليه يُنجِّي المسلم عند الله! قال تعالى: _ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا _ [النساء: 123 124]. لذا نحن مأمورون من الله بالعمل والحركة والأخذ بالأسباب فقد أمر الله تعالى السيدة مريم وهي في شهرها الأخير من الحمل أن تأخذ بالأسباب فقال تعالى: _ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا _ مريم: 25 وإن مما يدل على فضل العمل والإنتاج النافع بأشكاله المختلفة ما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضله فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عنْ أَنَس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُسْلِم يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)) ولعِظَم العمل أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالعمل حتى في آخر لحظة فقد أخرج أحمد وصححه الألباني عن أنس أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)) العمل والحركة من سنن الله تعالى التي أخبرنا القرآن أنها لا تتبدل ولا تتحول ولا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد أو يحقق ما يأمُل بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر فمن عمل أُجِر ومن قعد حُرِم مهما كان دينه أو اعتقاده وبهذا يندفع المؤمن إلى العمل دائمًا حتى لا يُصادم سننَ الله في الكون فتَصدمه فيكون من الهالكين.