تواصل الإضراب المفتوح الذي شنه أعوان السلك شبه الطبي وتواصلت معه معاناة المرضى وعائلاتهم وما شهده مستشفى مصطفى باشا الجامعي وغيره من المشافي اكبر دليل على الإفرازات السلبية التي باتت تنجم عن تلك الإضرابات المتتالية بحيث أصبح قطاع الصحة من بين القطاعات التي يلحق مصالحها الشلل الكلي، ليدفع ثمنها المرضى خاصة وانه من بين القطاعات الحساسة التي تمس المواطنين وتؤثر عليهم بطريقة مباشرة. نسيمة خباجة ما إن دخلنا مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة خلال اليوم الثاني من الإضراب المعلن حتى قابلتنا تلك الجموع من المواطنين بمحاذاة مصلحة الاستعجالات وهي المصلحة التي لم يطلها الإضراب بصفة كلية وشاملة، بحيث حافظت على تقديم الحد الأدنى من الخدمات بالنسبة للحالات المستعجَلة وكانت تقدم على مستواها الإسعافات الضرورية بطريقة جد محتشمة، بالنظر إلى أهمية المصلحة، كما أعرب جل المرضى وأقاربهم عن سخطهم من تلك الإضرابات المتتالية التي باتت تلحق بقطاع الصحة كأهم قطاع خاصة وان ذلك من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على صحتهم ويزيد من تعقيد حالتهم الصحية وكذا النفسية. وما لفت انتباهنا هو تلك الحالة الهستيرية التي أصابت احد الوافدين إلى ذات المصلحة، والتي بين من خلالها غيظه وسخطه من استعمال المرضى ككبش فداء من اجل المطالبة بالحقوق ولي ذراع السلطات الوصية وكان يصرخ بأعلى صوته مما شد انتباه الكل ويردد "واش راكم تخدموا باش تديروا لاقريف؟"، وما كان على الأعوان إلا جرّه بقوة من أمام مصلحة الاستعجالات وأخذه إلى مركز الأمن وهو يصرخ بأعلى صوته مرددا نفس العبارات وتضامن الكل معه وطالبوا أعوان الأمن بالتعامل معه بروية والأخذ بيده بدل استعمال العنف الذي يزيد من تأزيم حالته الصحية والنفسية. وما ميز اليوم الثاني من الإضراب بوجه عام هو تيه جل المرضى وقذفهم هنا وهناك خاصة الوافدين من ولايات بعيدة الذين اصطدموا بالصد وتأجيل مواعيدهم إلى تواريخ لاحقة، وهي التي عرفت عدة تأجيلات في وقت مضى، لكي يكون الإضراب سببا في تأجيلها مرة أخرى، لاسيما طب العيون باعتباره مصلحة لا تحتمل كثرة التأجيلات. مرضى يبكون مصيرهم ما يجلب الأسى والحزن والتذمر في آن واحد هو موقف تلك العجوز التي التقينا بها أمام مصلحة طب العيون وكانت تبكي بحرقة خاصة وان وضعية عينيها تدهورت بعد أن خضعت إلى علاج أولي يستلزم المتابعة الطبية المستمرة لكنها تفاجأت بصدِّها بسبب الإضراب مما أدى إلى تراكم الدمع بكثرة بداخلهما وسيلانه بكثافة ما اجبرها على العودة إلى هناك إلا أنها قوبلت بالصد، وكانت تلك العجوز تبكي بحرقة فتقدمنا منها وصرحت أن حالة كلتا عينيها تتدهور يوماً بعد يوم، كما نقص بصرها مما جعلها تسارع إلى المستشفى إلا انه لا حياة لمن تنادي خاصة وان محدثتنا إمكانياتها محدودة ولا تتمكن من العلاج في القطاع الخاص بالنظر إلى الغلاء الذي يشهده، ولم تجد سبيلا إلا بذرف تلك الدموع التي كانت تنهمر بشدة وزادت حالتها الصحية والنفسية سوءا، فمن المسؤول؟! هو حال مواطن آخر قدم من سطيف وانتظر لساعات طوال ليتم إخباره انه سوف لن يخضع لعلاج وحرم حتى من الاستفادة من موعد لاحق مما جعله يثور ويندب حظه خاصة وانه قدم من ولاية بعيدة وقطع مئات الكيلومترات بحثا عن العلاج، لكي يسهل على هؤلاء وبكل بساطة إخباره بعدم استفادته من المراقبة الطبية على مستوى العين في ذلك الموعد. "المعريفة" تلعب دورها لم يسلم من تلك الإفرازات السلبية للإضراب وكذا التأجيلات إلا أصحاب "المعريفة" الذين كانوا يعبرون عبر اغلب المصالح بطريقة عادية عن طريق الوساطات حتى يهيئ لك أن المشفى يعمل بشكل عادي، وهي الآفة التي ضربت مستشفياتنا منذ وقت طويل، ليحظى صاحب "المعريفة" بالاعتناء الجيد ويأتي في أولى المراتب، ويقدم له الدواء ليأتي المريض البسيط الذي لا حول ولا قوة له في المراتب الأخيرة، و"المعريفة" التي ذاع صيتُها في اغلب مستشفياتنا بل في اغلب إداراتنا، يعاب عليها أكثر في المستشفيات التي تعد مهامها إنسانية نبيلة قبل أن تكون مادية مأجورة ومنبعا لاسترزاق أصحابها. والسؤال الذي يطرح نفسه بأي حق يُستقبل مريض ويُرفض آخر بذريعة الإضراب؟ هل حياة أصحاب "المعريفة" أغلى من حياة الآخرين؟ وهي الآفة التي لازمت جل مصالحنا الإدارية وان كانت فجوة تأثيراتها السلبية على مستوى المصالح الاستشفائية أعمق وأوسع.