سَحَرة من أقوى السحرة جاءوا من كل أنحاء مصر ليتحدى بهم فرعون ملك مصر نبي الله موسى عليه السلام - فلا تمر ساعة على رؤيتهم لمعجزة موسى عليه السلام حتى يؤمنوا به فما قصتهم؟ وكيف سيعاقبهم فرعون؟ وهل يصرون على إيمانهم بعد تهديد فرعون المخيف الرهيب لهم؟ هذا ما سنعرفه أيها الأحباب حين نقرأ القصة التالية: أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يدعو فرعون ملك مصر إلى عبادة الله وحده وأن يكف عن شرِّه وظلمه لبني إسرائيل. فطلب موسى من الله أن يعينه على هذه المهمة الصعبة فاستجاب الله له وأعانه بأخيه هارون وبالمعجزات وألقى في قلبه الطمأنينة. ذهب موسى وهارون عليهما السلام إلى قصر فرعون فلما رأياه قال موسى: إني رسول من الله إليك لأدعوك إلى عبادته وحده لا شريك له وأن تكف عن ظلم بني إسرائيل أو تتركني آخذهم وأرحل بهم من بلادك. لم يُعجب فرعون هذا الكلام وراح يماطل ويجادل موسى عليه السلام فلما رأى أن موسى صاحب حجة قوية وكلام مقنع خاف على مُلْكه منه ولجأ إلى تخويف موسى من بطشه وهدده بالسجن قائلاً: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}]الشعراء:29[ فلما وجد فرعون أن موسى لا يخشاه ولا يخاف منه قال له: هل لديك دليل أو معجزة تدل على صدق كلامك؟ عندئذ ألقى موسى عصاه على الأرض فتحولت بإرادة الله إلى ثعبان عظيم ثم أخرج موسى يده فإذا هي قد تحولت إلى اللون الأبيض ثم أدخلها في جيبه وأخرجها فعادت كما كانت. كانت هذه المعجزات دليلاً أكيدًا على صدق موسى لكن وزراء فرعون لما رأوا كراهية فرعون لموسى وضِيقِه بهذه المعجزات فكروا في حيلة يُرضُون بها فرعون ويُكذِّبون بها موسى فقالوا: هذا سحر ويمكن أن نُحضر من سَحَرة مصر من يفعل مثلما فعل موسى وأكثر. رأى فرعون أن هذه فكرة جميلة يتخلص بها من موسى وتم الاتفاق على أن موسى والسحرة يلتقون يوم الزينة (العيد) ليرى جميع الناس أيهما أقوى ومَن يكون صاحب الغلبة والمعجزة؟ ولأن فرعون لم يكن ينوي تصديق موسى قال: وسنُصدِّق السَّحرة إن كانوا هم الغالبين. أرسل فرعون إلى أمهر السحرة في أرض مصر فجاءوه من كل مكان وقالوا: إذا انتصرنا على موسى فهل ستكافئنا وتعطينا الجوائز؟ فقال: نعم وسوف يرتفع مقامكم عندي. جلس فرعون في اليوم المحدد مع وزرائه وحولهم جموع الناس وطلب من موسى والسحرة أن يبدأوا. فقال السحرة لموسى: هل تريد أن تبدأ أنت أم نبدأ نحن؟ فقال موسى: بل ابدأوا أنتم ولكني أحذركم من غضب الله على من يكذب ويغش. لم يهتم السحرة بكلام موسى وراحوا يُلقون الحبال والعصي التي معهم على الأرض فإذا بها تتحول إلى ثعابين فانبهر الناس واندهشوا وأحس موسى أن هؤلاء السحرة سيخدعون الناس بحِيلهم فأوحى الله إليه: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى}طه 68. أي إن الله سيؤيده بشيء يُثْبت للناس جميعًا أن موسى ليس ساحرًا وإنما هو رسول من رب العالمين وأمره الله أن يلقي عصاه فألقاها فإذا بها تتحول لثعبان ضخم وعظيم يأكل كل الثعابين الصغيرة التي أتى بها السحرة. لما رأى السحرة ذلك علموا أن ما جاء به موسى معجزة وليس سحرًا لأنهم يعرفون حقيقة السحر وطريقته فتأكدوا أن موسى رسولٌ من الله فسجدوا جميعًا وهم يقولون: {آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}(الأعراف: 121 122). فوجئ فرعون بإيمان السحرة واغتاظ منهم ومن موسى وخاف أن يؤمن بقية الناس بموسى فقرر أن يخيفهم ويرعبهم بما سوف يعاقبهم به حتى يتخلوا عن الإيمان ويتركوه وحتى لا يفكر أحد من الناس في أن يؤمن مثلهم قال فرعون للسحرة في غضب شديد: سوف أقطع أيديكم وأرجلكم ثم أعلقكم على النخل مربوطين بالحبال وأترككم حتى تموتوا جزاء تصديقكم لموسى. ولكن السحرة الذين آمنوا عن اقتناع ويقين لم يخافوا ولم يحاولوا حتى أن يطلبوا العفو أو الرحمة من فرعون وإنما أجابوا على فرعون قائلين: (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ) ]طه: 73[. فازداد غضب فرعون وغيظه وراح يزيد في تهديده ويخوفهم بأنواع العقاب التي سيعذبهم بها فقال السحرة في ثبات وشجاعة: افعل بنا ما تشاء فلن ترهبنا ولن نخشى كل ما تقوله لأن أقصى ما تقدر عليه أن تقتلنا وتحرمنا من الدنيا الفانية الزائلة وفي هذه الحالة ستصعد أرواحنا إلى ربنا فيدخلنا في رحمته وجنته ونعيمه الأبدي الدائم لأننا آمنا به وما عند الله من النعيم خير من كل شيء.