تحرص حرائر قسنطينة على تقديم أشهى الحلويات والتحليات في المناسبات، إذ تتحول الموائد إلى لوحة ملونة، تعود بك إلى عصر البايات، حيث تتناقل العائلات القسنطينية عادات اجتماعية متوارثة، خاصة تلك المتعلقة بإعداد الأطباق التقليدية التي لاتزال تحتفظ بمكانتها في التراث الثقافي للمنطقة. ومن بين هذه التقاليد تبرز "سينية السماط"، تلك السينية الفاخرة التي تُجسد تاريخا من الذوق والترف، وتحمل في طياتها أسرار طهو يعود إلى قرون مضت. ليست "سينية السماط" مجرد تسمية عابرة، بل هي جزء لا يتجزأ من التراث القسنطيني، حيث لاتزال حاضرة في أغلب المنازل، تروي تفاصيلها عبق الماضي، وعبقرية المطبخ القسنطيني، حيث تتزين هذه السينية بأشهى الأطباق الباردة والحلويات، بدءا من "الطبيخ" الذي يُعد جوهرة السينية، وصولًا إلى "المحلبي" و"البالوزة"، اللذين يُذيبان الحدود بين الحاضر والماضي، إذ إن كل طبق يُعد بمثابة تحفة فنية تُعيد إحياء تراث قصر أحمد باي، وتجمع العائلات حولها ليس فقط لتناول ما لذّ وطاب، بل لاستحضار ذكريات الأجداد الذين حافظوا على هذه التقاليد. ولاتزال "سينية السماط" حاضرة بليالي رمضان، وحتى بالمناسبات الهامة إلى اليوم، ولم تغب رغم ارتفاع تكاليفها. ثراء المطبخ القسنطيني مزيج من الحضارات يعد المطبخ القسنطيني نتاج التقاء حضارات متنوعة، حيث امتزجت التأثيرات الأندلسية والعثمانية مع التقاليد المحلية لخلق فنٍّ طهويٍّ فريد. ومع أن هذه الأطباق تتطلب مكونات باهظة مثل المكسرات (اللوز والجوز والفستق)، والسمن البلدي، وماء الورد المقطر، والعسل الحر، إلا أن قيمتها الثقافية والمعنوية لا تقدر بثمن؛ لذا فإن هذه الوصفات التي اشتهرت بثرائها وتعقيدها، عادة ما ترتبط بالمناسبات الخاصة، وسهرات رمضان، ما يجعلها رمزا للذوق الراقي، والضيافة المتميزة. "الطبيخ" سيد السينية القسنطينية يُعد "الطبيخ" من أرقى وأقدم الحلويات القسنطينية التي لا غنى عنها في سهرات رمضان، حيث يتميز بدمج فريد بين الطعم الحلو والمالح، وهو طبق تقليدي يتم إعداده بإتقان عالٍ، ما يجعله محبوبا عند العائلات البورجوازية. ويبدأ التحضير بإعداد مرق اللحم، وخصيصا اللحم البقري، ثم تصفيته، ليُترك ليلة كاملة حتى تتجانس النكهات. ويُمزج بعدها 7 مقادير من المرق بمقدار من ماء الورد المقطر المُضاف إليه الزعفران، مع مقدار من العسل الحر والنشاء. ثم يُطهى الخليط على نار هادئة. ويضاف إليه كمية معتبرة من اللوز، ويُترك حتى يعقد، ويأخذ لونا ذهبيا، قبل أن يُسكب في صحن التقديم، ويزيَّن بحبات اللوز. "المحلبي" تحلية الأرز الباردة الحاضرة في سهرات رمضان "المحلبي" تحلية بسيطة ومنعشة. تحضَّر من مكونات أساسية، لكنه يحمل طابعا رمضانيا مميزا. ويتم تحضيره بمقادير مضبوطة،. متمثلة في 7 مقادير من الحليب، ومقدار من الأرز المطحون، ومقدار من السكر، ومقدار من ماء الورد المقطر. يخلط جيدا، ثم يُطهى الخليط على نار هادئة حتى يصبح سميك القوام. يُسكب الخليط في أطباق التقديم. ويُزيَّن باللوز، ليُقدَّم كتحلية باردة مثالية. ولايزال "المحلبي" حاضرا في كل المناسبات لمقاديره غير المكلفة عكس "الطبيخ"، حيث إن بعض العائلات القسنطينية اليوم، تعتمده في السحور. "البالوزة" تحلية ماء الفواكه القديمة تُعد "البالوزة" من التحليات القديمة التي تحمل معها عبق التاريخ، حيث تعود جذورها إلى زمن بايات قسنطينة، وكانت تُحضر في المناسبات، وسهرات رمضان. غير أنها غابت لسنوات طويلة قبل أن تعود من جديد لتغزو مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الطبخ. والفضل يعود إلى الشاف القسنطيني عبد الحميد، الذي قدم مكوناتها الأصلية. وباتت تحضُر كطبق تحلية بارد في سهرات رمضان بنكهات فواكه مختلفة. كما تحضَّر البالوزة بنصف لتر من ماء الفواكه التي يتم تفويرها (كالإجاص أو المشمش، أو الفراولة...) مع 4 ملاعق كبيرة من النشاء، و4 ملاعق كبيرة من السكر الخشن، و4 ملاعق كبيرة من ماء الورد المقطر. تُخلط جيدا حتى تذوب تماما، ثم يُطهى الخليط على نار هادئة مع التحريك المستمر حتى يتماسك. وبعد ذلك يُسكب في أطباق التقديم. ويزيَّن بحبات اللوز أو الجوز. "سينية السماط" رمز للتراث والثقافة تبقى "سينية السماط" القسنطينية رمزا للتراث والثقافة التي تجمع بين الأصالة والرفاهية. من "الطبيخ" إلى "المحلبي" و"البالوزة"، حيث إن كل طبق يحمل في طياته قصة ترويها الأجيال، وتربط الماضي بالحاضر. وتمثل هذه الأطباق الباردة التي تزيّن "سينية السماط" القسنطيني، أكثر من مجرد وصفات؛ بل إرث ثقافي، يحمل في طياته تاريخ المدينة، وهويتها العريقة. وبفضل التفنن في المكونات وطريقة التحضير تظل هذه الحلويات رمزا لرفاهية المطبخ القسنطيني. ورغم ارتفاع تكلفة إعدادها يبقى عشق السكان لهذه الأطباق، دليلًا على الرغبة في صون هذا التراث الغني، وضمان استمراريته للأجيال القادمة.