بقلم: جمال نصر الله العلماء والباحثون الذين اجتهدوا وعرّفوا لنا البلاغة أوصلوا لنا خلاصة هامة وهي أنها تعني إيصال المعنى بأيسر الطرقوفي بعض المرات يٌقال بشتى الطرق (المهم أن الغاية القصوى أن ينصرف ويخرج المستمع مطمئنا مُشبعا بالفهم والإضافة) ومرادنا من هذه المقدمة أن هناك ظاهرة لطالما ظلت سارية المفعول وجارية داخل مساجدنا. وهي أنك تلاحظ أغلب الأئمة يقدمون دروسهم باللغة العربية الفصحى القحة(وهذا ليس عيبا) قدر ما تصبح كذلك يوم تلتمس بأن هذا المواطن بل قل أغلب المواطنين إلا من رحم ربك لا يفهمون معاني وفحوى هذه الدروس لا لشيء سوى أن اللغة في حد ذاتها هي لغة محكمة ومن نتاج اللغويين النحاة؟! نظير ما فيها من سجع وبديع ومجاز فعدد قليل جدا هم من تجدهم على أقل تقدير قد فهموا وفسروا هذه الخطبة وذاك الدرس لأنهم أساتذة ومدراء مؤسسات ومدارس وجامعات..لكن كيف هو الأمر مع الشرائح الأخرى والتي تشكل القسم الأكبر .. وما عليك عزيزي المواطن إلا أن تسأل فلان أو آخرا في النهاية ( هل فهمت شيئا) أكيد وأنه من باب الاستحياء يجيبك بأنه قد فهم اليسر القليل خاصة إذا كان الدرس مُشبعا بأمثلة تاريخية ووقائع من حروب وغزوات وشخصيات لا يسمع بها هذا المواطن ولا حتى في المنام؟! نحن لا نلوم حجم وأرقام الأمية في الجزائرلأنها واقع موجود على الأرض قدر ما نلوم صاحب الخطبة لأنه لم يراع هذه النقطة الحساسة وأنه حتى وهو فصيح ويتحكم في اللغة جيدا ويصوغ المعاني والألفاظ صياغة عظمى لكنه لم يضع في حسبانه أن الجهد الذي بذله قد بلغ مراده نحو فئة تقدر بالجزئيات وأنه عجز عن إقناع الأغلبية وأنه لم يوصل رسالته على أكمل وجه . وبالتالي لن يصبح هنا بليغا فهويكتفي فقط بأنه فصيح لأنه ليس كل فصيح بليغا..كما يقال وإنما كل بليغ بالضرورة هو فصيح.وإذا وافقني الجميع هناك ثلاثة مناحي وطرق في هذا الموضوع هناك الأولى أي الفصحى العتيقة وكما يصفها الرواة هي لغة الكتب الصفراء أو لغة قريش؟! وهناك الأقل منها حدة وهي مزيج بين اللهجات والفصحى وأخيرا هناك اللغة الشعبية(الدارجة) التي لو استعملها كل الأئمة لنجحوا في إفهام الناس إفهاما جليلا؟! وأصابوا الهدف مع الجميع وقديما جاء في مضرب الأمثال العربي (إذا نزلت في قوم فاحلب في إنائهم) أي خاطبهم بلغتهم ولا تتبجح أو تحاول أن تتغنج أو تتفاخر بلغة لا يفهمونها .. كذلك قال الباحث الانثربولوجي الشهير كوستو وهو رحالة طاف معظم مناطق العالم( قال علمتني الحياة أنني أستطيع وبذكائي الحاد أن أتأقلم مع أي مجتمع أحل به) إذا البلاغة هي أن يفهمك الآخر وهي مهمتك الكبرى والعظمى من أجل أن تكبر في عيونهم خاصة إذا كان كلامك ترافقه عدة أمثلة وحجج دامغة أما إذا كنت تتبجح لغويا وتتباهى وتتعاظم من أجل استعراض عضلاتك فإنك تظل في برج عال بعيد كل البعد عن مستمعيك حتى وأنت تقول الحقيقة لكنك للأسف ينقصك الوعي بأن من تخاطبهم ليست تلك الألفاظ والعبارات في متناولهم وما عليك إلا أن تنزل إلى أرضهم بدلا أن تطلب منهم أن يصعدوا إليك؟! وهذا هو الهدف المنشود.