قرّة أعين: كناية عن السرور والفرح وهو مأخوذ من القرر وهو البرد لأن دمعة السرور باردة. قال الزجاج: يقال: أقرّ اللَّه عينك: صادف فؤادك ما يحبه هذه الدعوة الثانية من دعوات عباد الرحمن الذين جمعوا الخصال والفعال الحميدة ومن جميل الكلمات الحسان من الدعوات فقالوا: _رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن _: أي يا ربنا هب لنا من هباتك العظيمة الكثيرة أزواجاً وذرية صالحة ((من يعمل لك بالطاعة فتقرّ أعيننا بهم في الدنيا والآخرة)) فهم يلحّون بهذا السؤال كما أفاد الفعل المضارع ((يقولون)) أن يرزقهم اللَّه تعالى من يخرج من أصلابهم ومن ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له . وهذا الدعاء لأزواجهم وذريتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ويدوم في الدنيا والآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَة : إِلَّا مِنْ صَدَقَة جَارِيَة أَوْ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ)) وفي الآخرة مرافقتهم في جنات النعيم قال تعالى: _وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْء _ ((بل ويعود هذا النفع إلى عموم المسلمين لأن بصلاح من ذُكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم)) ((وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى اللَّه عز وجل وفي أولهم الذرية والأزواج فهم أقرب الناس تبعة وهم أول أمانة يُسأل عنها الرجال)) _وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا_: أي واجعلنا أئمة هدىً يقتدي بنا أهل التقوى في الفعل والقول وفي إقامة الدين وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين يُقتدَى بهم هو طلب من اللَّه أن يهديهم ويوفقهم ويمنَّ عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة التي توصلهم إلى هذه المنزلة العليّة . ((وسؤالهم هذا هو كذلك سؤال لأعلى درجات العبودية وهي درجات الكمَّل من عباد اللَّه والصدّيقين وهي درجة الإمامة في الدين وهذه الدرجة السامية لا تتمّ إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى: _وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فهذا الدعاء دلّ بمنطوقة ومفهومه على سؤال اللَّه أن يكونوا كاملين لهم ولغيرهم هادين مهتدين وهذه أعلى الحالات وأجلّ الكمالات ولمّا كانت هممهم ورغباتهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل والدرجات العالية _أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا_ وقد بيّن المصطفى صلى الله عليه وسلم علو منازل أهل الغرف من علوّ ورفعة المكانة والمكان قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ: ((بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)) وفي لفظ لأحمد: ((في تفاضل الدرجات)) وفائدة ذكر المشرق والمغرب بيان للرفعة وشدة البعد فدل على سموّ منازل أهل الغرف جعلنا اللَّه من أهلها (آمين) وكذلك دلّ على التفاوت العظيم في الدرجات في جنات النعيم.