حرفة عريقة تأبى الاندثار زربية بابار مفخرة حرائر النمامشة تشتهر زربية بابار بأنها من بين أجود أنواع السجاد الجزائري إذ تقوم نسوة بلدية بابار (30 كلم جنوبخنشلة) بنسجها بطرق تقليدية جعلتها تنال مكانة مرموقة في عالم السجاد وتحافظ على وهجها صامدة في وجه الحداثة رغم كل الصعوبات التي تواجه تسويق هذا المنتوج الحرفي الذي يعاني مخاطر الاندثار رغم دوره الكبير في الحفاظ على الهوية والخصوصيات الفنية والثقافية لمنطقة النمامشة. خ.نسيمة /ق.م تسعى نساء بلدية بابار للحفاظ على حرفة نسج السجاد أو كما تسمى محليا الزربية بالطرق التقليدية وذلك عبر تمسكهن بهذه الحرفة وسعيهن للترويج لها والتعريف بها عبر محاولة توريث تقنياتها ومراحلها وأدواتها لأجيال المستقبل حتى لا يتوقف إنتاجها وتظل حاضرة في الاستعمالات اليومية وفي الديكور المنزلي. مصدر دخل أول لنساء الريف ورغم كل ما يشاع عن تراجع إنتاج زربية بابار خلال العشريتين الأخيرتين إلا أن الواقع ينفي ذلك فصناعة الصوف والنسيج والسجاد بالطرق التقليدية ظلت في مجتمع النمامشة مرتبطة بالمرأة وهي حرفة مثلت لعقود مصدرا دخل بالنسبة للنساء خاصة في الوسط الريفي وكان ولا يزال النسيج مجالا تطلق فيه النسوة مواهبهن في الرسم والتلوين واختيار الأشكال التي تبدو متداخلة ومتجانسة بحبكة ودقة وبألوان مختلفة يغلب عليها الأحمر والأسود والأصفر فلا يكاد يخلو بيت ببلدية بابار من الزربية التي تنسجها العائلة مما يكشف مدى تشبث الأسرة الببارية بهذا الموروث المنتج من النسيج الصوفي.
ألوان زاهية تسرّ الناظرين وتتولى نساء المنطقة مهمة تعليم بناتهن طرق نسج وغزل الصوف ودباغته باستعمال خليط من المواد الطبيعية تمهيدا لإنتاج زربية بابار ذات ألوان تسر الناظرين وهو ما نجحت فيه نسوة هذه البلدية لحد الآن من خلال مشاركة العديد من الفتيات في المعرض التاسع للزربية الذي أقيم أواخر شهر فيفري الفارط بدار الثقافة علي سوايعي بخنشلة ومعرض الربيع الذي أقيم قبل أسبوعين بمركز الترفيه العلمي بعاصمة الولاية. نصيرة بن شنوف هي واحدة من الحرفيات اللواتي استطعن أن يصنعن لهن اسما في مجال حياكة زربية بابار من خلال تتويجها بالمرتبة الأولى للجائزة الوطنية للصناعة التقليدية سنتي 2012 و2013 بالإضافة إلى مساهمتها الفعالة في تكوين الفتيات في مجال النسيج.
وسائل عريقة لنسجها تتحدث نصيرة لوكالة الأنباء الجزائرية بفخر واعتزاز عن زربية بابار وشموخ هذا الموروث الحرفي وصراعه من أجل البقاء موضحة أن زربية بابار كانت ولا زالت من أشهر أنواع الزرابي لأنها تعتمد في جميع مراحل صنعها على مواد طبيعية يتم تحضيرها بالطرق التقليدية وأضافت بأن العملية تبدأ من اختيار دقيق لنوعية صوف الأغنام ذات الجودة العالية والقابلة للتطويع على المنسج مستعملة العديد من المصطلحات التي تعنى بالأدوات المستعملة لحياكة هذه الزربية الأصيلة ومنها السداية وهي المنسج أو المحمل الذي تصنع عليه المنسوجات الصوفية و القرداش وهي المشط المستعمل في تنظيف الصوف لتتساقط منه جميع الأوساخ والشوائب العالقة بالإضافة إلى الخلالة وهي أداة حديدية تستعمل لدق ورصّ خيوط الصوف الملونة بشكل متوازي ومتناسق وغيرها من المصطلحات المستعملة في قاموس مجتمع النمامشة. وتوجد أنواع عديدة لهذه الزربية منها الدراقة و العقدة و الحولي وهي أشهر أنواع زربية بابار المميزة بشكلها وألوانها الأصيلة المعبرة مثلما تصفها أمهات وجدات احترفن نسج الزربية البابارية حيث تؤكد السيدة نصيرة أن زربية الدراقة تعكس حياء وحشمة أهلها الذين كانوا يستعملون أحد أنواعها وهو من الدرقة بالعامية والخفية والتخفي باللغة العربية في الفصل بين النساء والرجال داخل المنزل الواحد. وكشفت الحرفية أن زربية بابار تحمل أشكالا ورموزا وألوانا تعكس حياة الأسرة والمجتمع الشاوي الأوراسي حيث نجد فيها الأشكال والرسوم التي تذكر مثلا برسم الخربقة وهي لعبة يتسلى بها كبار المنطقة وتلعب بحجارة صغيرة على الأرض وفي الهواء الطلق وكذلك رسم المشرف الذي يعبر عن الحلي التي ترتديها المرأة النموشية ورسم عباد الشمس وغيرها من الرسومات التي تحاكي واقع هذه المنطقة. الحنة...الزعفران والسواك لدباغة زربية بابار يعتقد الكثير أن دباغة زربية بابار تتم بألوان اصطناعية إلا أن الحرفية نصيرة بن شنوف تؤكد أن زربية بابار الحقيقية تدبغ بألوان طبيعية مستخلصة من بعض الأعشاب مثل الحنة وقشور الرمان وعود السواك والزعفران وأوارق شجرة الكاليتوس وغيرها من الأعشاب الأخرى المعروفة لدى النساجين بالمنطقة حيث يقمن بوضع خليط تقليدي يتم طحنه واستخراج ألوان الزربية منه وهذه الألوان يتم استعمالها في صباغة خيوط الصوف. من جهته كشف زبير بوكعباش مدير السياحة والصناعة التقليدية بولاية خنشلة أن صناعة النسيج الصوفي على العموم وحياكة الزرابي على الخصوص لا زالت قائمة وتصارع لأجل البقاء لاسيما أنها بدأت في السنوات الأخيرة تسترجع مكانتها من خلال الاهتمام والعناية بها إلى جانب الحرف والصناعات التقليدية الأخرى التي كانت مهددة بالزوال. ويعود الفضل في ذلك -حسبه- إلى آليات الدعم المقدمة من طرف الدولة لتشجيع الحرفيين على استحداث مشاريع مصغرة للحفاظ عليها وحماية هذا الموروث التقليدي والمحافظة عليه والعمل على تسويقه في معرض برلين بألمانيا خلال السنوات القليلة القادمة. بدوره أفاد مدير التجارة لولاية خنشلة جمال حمزاوي أنه وبهدف القضاء على ظاهرة تقليد زربية بابار وتسويقها من طرف بعض التجار غير الشرعيين والحرفيين المزيفين لاسيما في الأسواق الخارجية ببعض دول الجوار فإن مصالح مديرية التجارة وبالتنسيق مع غرفة الصناعة التقليدية والحرف والجمعيات الناشطة في الميدان والتي تضم الحرفيين العاملين في مجال نسج زربية بابار تعمل على إنهاء إجراءات وسم هذا المنتوج التراثي. العنصر الرجالي يقتحم الحرفة ولم تعد صناعة زربية بابار حكرا على نساء المنطقة الجنوبية لولاية خنشلة بل تعدتها إلى الرجال وفي وسط خاص حيث كشف نصراوي جنودي مستشار الشباب بسجن بابار بخنشلة أن المؤسسة العقابية التي يعمل بها ورغبة منها في الحفاظ على هذا الموروث قامت باستحداث ورشة خاصة بتكوين نزلاء المؤسسة العقابية لإنتاج زربية بابار. ويشرف على الورشة الديوان الوطني للأشغال التربوية التابع للمديرية العامة لإدارة السجون في إطار سياسة تكوين وإدماج المساجين الذين يستفيدون نظير مساهمتهم في إنتاج زربية بابار من تأمين شامل وأجرة شهرية يتقاضاها النزلاء مقابل المجهودات التي يقومون بها في سبيل إنتاج هذه الزربية وإخراجها في أبهى حللها.