بقلم: الطيب بن ابراهيم بداية لست هنا منطلقا من موقف الشماتة في الوزير الأول السابق السيد احمد اويحي الذي أودع سجن الحراش يوم 12 جوان الحالي لان الشماتة ليست من المروءة ولا من شيمنا ومن قيمنا الدينية والوطنية والأخلاقية لكن من جهة أخرى لا يمكن السكوت عن رجل بحجم اويحيى كان احد ابرز أعمدة الدولة الجزائرية ونظام حكمها ما يقرب من نصف القرن من الزمن خاصة خلال العقدين الأخيرين التي تردد فيها على رئاسة عدة حكومات فالموضوع يفرض نفسه على العام والخاص داخل الوطن وخارجه. ومن جهة أخرى لا أتحدث هنا عن أي ملف من ملفات استدعائه وعلاقته برجال المال والفساد ولا عن حجم فساده وممتلكاته وحساباته وعقاراته الداخلية والخارجية ولا عن قراراته ومواقفه السياسية والاقتصادية التي أضرت بالبلاد والعباد وهو الذي كان يعطينا دروسا في الوطنية والتضحية لان الملفات اليوم في يد العدالة وهي مطلعة عليها بالتفصيل والدليل والأرقام والشهود والوثائق وهي الجهة المؤهلة في قانونيتها واحترافيتها ولكن أتحدث عن جانب مهم آخر كان محور اهتمام وملاحظة من جل الجزائريين وهو علاقة الوزير الأول احمد اويحي بشعبه ومعاملاته له وردود الفعل المتبادلة بينهما خاصة خلال العقدين الأخيرين في عهد الرئيس بوتفليقة. لقد التحق اويحيى لأول مرة بوزارة الخارجية سنة 1975 وهو شاب في الثالثة والعشرين من العمر وهناك كانت انطلاقته المبكرة في الاطلاع على كيفية التعامل مع العالم الخارجي عموما ومع فرنسا خصوصا وازدادت معرفته ثراء من خلال وجوده بالبعثة الجزائرية في الأممالمتحدة وبعدة سفارات فكانت انطلاقته الأولى نحو العالم الخارجي كما عمل في حكم عدة رؤساء للجزائر بداية من الرئيس بومدين والشاذلي رحمهما الله والرئيس زروال الذي ترأس في عهده أول حكومة له والرئيس بوتفليقة الذي توالى على رئاسة عدة حكومات في عهده فهو الأول من حيث عدد الحكومات التي ترأسها في عهد الجزائر المستقلة. خلال خمسة عقود تقريبا كان الرجل يتحرك بين أروقة نظام الحكم ويطلع على ما يجري في كواليسه وكان ذلك في مختلف مراحل الرخاء والأزمات التي مرت بها الجزائر فكسب خبرة ودهاء من اجل البقاء في الحكم مع صانعي الرؤساء لكن على نقيض ذلك لم يكن الرجل يحسن التعامل مع شعبه والتقرب إليه بل لم يكن يؤمن بقوة الشعب ولا بإرادته التي لا تقهر ولا بثورات الشعوب بل كان الرجل يجهل تاريخ شعبه الثائر . كان اويحيى ابن النظام الذي لم يؤمن بالديمقراطية ولا بالانتخابات ولا بنتائج الصندوق ب استثناء الشاذلي رحمه الله كان يعلم علم اليقين انه مفروض على الشعب وان نتائج كل الانتخابات مزورة إلا ما سمح به النظام وكان هو نفسه ابرز مهندسي تلك التزويرات. كان السيد احمد اويحيى يمثل رجل مصالح الدولة العميقة الإقليمية بامتياز التي لا تحد حدودها بحدود الجزائر وكان يعرف ذلك ويحسب له حسابه وحتى عندما علَّق على الحراك بعد انطلاقته واصفه ب الريح في الشبك ولم يكن ذلك التعليق موقفا شخصيا ولكن كان موقف الدولة العميقة. فهو مع القوي الواقف والغاية عنده تبرر الوسيلة لذا لم تكن العلاقة ودية يوما ما بين الشعب ورجل المهام القذرة احمد اويحيى وهو من اعترف بهذا الوصف وافتخر به يوما ما كما عرف اويحيى بالتعالي والتكبر واحتقاره للشعب الذي حكمه عقودا وكان يعرف أن الشعب ليس هو من يقف وراء وصوله للسلطة وبقائه بها فرغم طرده من طرف حزبه ورغم خسارته في الانتخابات ورغم تزويرها ورغم كونه منبوذا لكنه عاد لرئاسة الحكومة المرة تلو الأخرى رغم انف الشعب. لقد ساندت الدولة العميقة رجل المهام القذرة الذي ضمن لها مصالحها أكثر مما كانت تتوقع فهي التي وقفت إلى جانبه وساندته في ترأس عدة حكومات المرة تلو الأخرى ليس هذا لكفاءته ورغم أخطائه وخطاياه وهذا التردد على رئاسة عدة حكومات لم يحظ به غيره من رؤساء الأحزاب الذين يفوقونه شعبية ووطنية وكفاءة وتاريخا ونضالا وعلى رأسهم المرحوم عبد الحميد مهري زعيم حزب جبهة التحرير الوطني السابق الذي لم يترأس أي حكومة ولو مرة واحدة في حياته وهو الوطني المجاهد والمناضل والسياسي الوفي لوطنه منذ عهد الاحتلال ومرحلة الاستقلال إلى غاية وفاته بل ضايقته وحاصرته الدولة العميقة حتى في وطنه وبين أهله !! . في الوقت الذي كان اويحيى يعبث بالمال العام للجزائر ويتلف الآلاف من المليارات من العملة الوطنية والأجنبية مع حاشيته وزبانيته كان في نفس الوقت يقول للشعب الجزائري الموس وصل للعظم ويجب أن يصل التقشف أقصاه وكان أكثر عباراته شهرة وانتشارا استكثاره على الشعب أكل الزبادي الياغورت عندما قال : ماشي لازم الشعب يأكل الياغورت وهي العبارة التي طاردته في الشوارع والمحاكم وحتى أمام باب سجن الحراش وأكثر أقواله كانت إيلاما للشعب قوله جوع كلبك يتبعك وكان آخر قراراته في إطار سياسة جوع كلبك يتبعك وفي إطار مشروع قانون المالية لسنة 2018 اتخذ قرار الرفع من قيمة الضريبة على الوثائق الإدارية المستخرجة من الإدارة بطاقة التعريف جواز السفر رخصة السياقة ... والتي تجاوزت قيمة ضريبتها المليوني سنتيما وقال عنها اويحيى أنها في متناول الجميع وهي التي لاقت معارضة شديدة من قبل الجزائريين قبل أن يتدخل الرئيس بوتفليقة ويلغيها في بداية جوان سنة 2018.هكذا كان الجلاد يفكر في طريقة حكم وقيادة الشعب الجزائري. ولم يتهم فقط من طرف الشعب بل طاردته التهم حتى من طرف شركائه وهو وزير عدل حكومته الطيب لوح الذي اتهمه قبل انطلاق الحراك بسجن إطارات جزائرية كانت تعمل في القطاع العام في منتصف التسعينات تمت تبرئتهم لاحقا وبعد الحراك اتهم من قبل اقرب مقربيه بتهم اكبر منها العمالة.. !!. وعلى نقيض ذلك التشدد والحسم والاحتقار مع الجزائريين كان الغزل والتودد والتقرب اتجاه فرنسا متواصلا ومحاولات كسب ودها وإرضائها تتم في أي مناسبة أو بدونها وعلى سبيل المثال وعندما هاجم الرئيس التركي اردوغان فرنسا سنة 2012 بسبب جرائمها في الجزائر دافع عنها اويحي متهما تركيا ب المتاجرة بدماء الجزائريين . ومن مسلسل استفزازاته للشعب الجزائري وأحفاد ثورة المليون ونصف المليون شهيد تصريحاته الصيف الماضي جوان 2018 لشركائه في الفساد المالي من رجال الأعمال القابعين معه في سجن الحراش ومطالبته لهم بالتعاون مع الأقدام السوداء الفرنسيين في الدفع بحركة الصادرات الجزائرية للخارج. أما القطرة التي أفاضت الكأس فقد تمّت قبل الحراك بثلاثة أشهر فقط بفرنسا وذلك بمناسبة مشاركة رجل المهام القذرة في احتفالات مائوية الحرب العالمية الأولى التي احتضنتها فرنسا شهر نوفمبر سنة 2018 حضرها اويحيى ممثلا للجزائر وفي كلمة له وصف مليون ونصف المليون شهيد بالقتلى وهذا في شهر نوفمبر شهر الثورة المباركة التي حررت الجزائر بعد 130 سنة من الاحتلال الفرنسي ومن ارض فرنساالمحتلة وصف الثورة وفي شهرها بأنها مجرد حرب هكذا وبدل أن كان اويحيى يتطاول على الأحياء بلغ به المقام التطاول على الشهداء والتاريخ وكان ذلك استرضاء لفرنسا لدعمه كرئيس مرتقب للجزائر ولم يكن ذلك التصريح خطأ أو زلّة لسان لرجل متمرس في بعثة بلاده بالأممالمتحدة وسفيرا لبلاده ورئيسا لعدة حكومات وأخيرا سقطة وصفه للحراك بريح في الشبك كانت آخر خرجاته قبل أن يضطره الحراك على تقديم استقالته يوم 11 مارس 2019 . لم يكن اويحيى كغيره من وزرائه الفاسدين الذين لازم صمتُهم فسادهم بل كان عدوانيا وهجوميا واستعلائيا على الشعب والحقيقة أن رجل المهام القذرة كانت كل تعاليقه و خرجاته صادمة وعباراته جارحة للشعب الجزائري ومواقفه الصادمة اتجاه الشعب الجزائري لا تعد ولا تحصى ولا تغتفر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا ليس هذا فقط بل جند وزراء من طينته وكونوا عصابة للقيام بالمهام القذرة ولم يكن الشعب الجزائري لا يعرف إلا رجلا واحدا للمهام القذرة لكن بعد إعصار الحراك سقط القناع وافتضح أمر كل من اشترى وباع وأصيب الشعب المسكين بالذهول وعدم التصديق عصابة ارتهنت دولة الشهداء واستحوذت على ثرواتها وأتلفت مقوماتها وتم نهب المال العام ونهب للعقار بآلاف الهكتارات وشوّهت القيم والمبادئ... لا اعتقد أن ما قام به رجل المهام القذرة مجرد خطأ يرتكبه أي كان كأخطاء بقية شركائه من الوزراء الذين كانت أخطاؤهم مرتبطة بحدود قطاعهم وحدود فترة استوزراهم بل ما قام به كان يتجاوز الخطأ إلى الخطايا المتعمدة والمتكررة والتي كانت تمثل برنامجا متبعا وخطا سياسيا انعكس على المنظمومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للدولة الجزائرية وكأنه كان يمثل طرفا معاديا للجزائر يعمل على إنهاكها في تلك المجالات وفي المقابل لم يكن الشعب وحده رافضا وغير راض بذلك الفساد السياسي والتسيب في المال والثروات فالجزائر ارض الجهاد والثوار والأحرار ارض المليون ونصف المليون شهيد لا تعدم من العظماء والخيّرين وان تسلطت عليها عصابة من داخل الوطن ومن خارجه فالخيّرون كانوا ينتظرون فرصتهم ليثوروا على الفاسدين ولا نستغرب ذلك من أحفاد من ثاروا على فرنسا بعد قرن وربع قرن من الاحتلال والإلحاق والاستيطان وطردوها شر طردة وأولى محاولات الإصلاح ووضع حد للفساد المالي كانت في صيف سنة 2017 فعندما تدخل الوزير الأول عبد المجيد تبون بعد أيام من توليه المنصب وأعلن محاربته للفساد المالي المستشري سخرت منه العصابة وأطاحت به بسرعة البرق دون اكتراث لأي جهة كانت في الدولة وجاءت برجل المهام القذرة كضامن لبقاء الفساد وأجهزته ورجاله وتراجع الطرف الفاعل من الخيّرين والمؤيد لتبون في محاربة الفساد تكتيكيا وانتظر حتى جاءت فرصة ثورة الحراك التي حررت الشعب وجيشه من العصابة جاءت ثورة الحراك ضد دولة الفساد الدولة العميقة الإقليمية وحققت من النتائج ما لم يكن متوقعا وصدق المولى عزّ وجلّ في قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم . إن معاملة رجل المهام القذرة لشعبه بذلك الاستعلاء والاستهتار والاحتقار ولدت له كراهية غير مسبوقة من طرف الشعب الجزائري تجلت تلك الكراهية في فرحة الشعب مباشرة بعد إعلان العدالة عن حبس احمد اويحيى ظهر ذلك الفرح والابتهاج والزغاريد في عدة مدن جزائرية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام بل الاحتفال أقيم حتى بين نزلاء سجن الحراش فرحا بالضيف الجديد وعلقت إحدى الجرائد الوطنية في صفحتها الأولى بالبنط العريض : الشعب الآن فرحان وذلك في اليوم الموالي لإدخاله لسجن الحراش. هكذا كانت العلاقة بين احمد اويحيى ومواطنيه وغم ذلك كان الرجل يمني النفس بان يصبح رئيسا للجزائر وان يترك ذلك للقضاء والقدر وفعلا تدخل القضاء والقدر ولكن في الاتجاه الذي لم يتوقعه أحمد أويحيى في حياته.. إنها نهاية مأساوية لرجل طالما حلم برئيس الجمهورية وكان قاب قوسين منها هذه النهاية تذكرني بنهاية زعيم عربي كان يشبه شعبه بالثعابين ويعتبر إدارة شئونهم بالرقص على رؤوس الثعابين فكانت نهايته هو الآخر أكثر مأساوية!!.