تطبع حياة سكان حي سيدي العكروت بالمدية مظاهر (الميزيرية) في أسمى معانيها، فالقذورات والروائح الكريهة تحاصر أغلب مساكن الحي، تضاف إليها مآسي عيش الآباء والأبناء والأحفاد بشقق ذات غرفة واحدة سواء الموروثة أو المستحدثة لدرجة تفضيل الواحد البقاء بمسجد الحي بعد الصلاة على العودة إلى جحيم القبو الذي لا يتجاوز 12 مترا مربعا· سمي بحي سيدي العكروت نسبة إلى زاوية سيدي العكروت، ويعود تدشينه إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وللوقوف على واقع هذا الحي زارت "أخبار اليوم" منطقة سيدي العكروت على إثر تلقينا نسخة من شكوى إلى والي المدية وقعها 38مواطنا نيابة عن باقي السكان، بداية الرحلة كانت إلى الحي الجديد المحاذي للمقبرة الحاملة لاسم الزاوية الثانية سيدي عبد السلام، تقطنه نحو 250عائلة حسب محدثينا في مساكن يغلب على طابعها الغرفة الواحدة رغم التباعد الزمني من حيث تاريخ تشييدها، وحسب بوجمعة كعبوب فإن قرابة 32 مسكنا تم تشييدها من طرف "لاصاص" في إطار سياسة الجنرال ديغول لصالح الذين شردتهم قوات الجيش الفرنسي بهدف القضاء على الثورة، وليس للحركة حسب شيخ طاعن في السن سيأتي ذكره لاحقا، ومع التقادم أضاف محدثنا في سياق حديثه أصبحت هشة وبامتياز، وبدوري أملك سكنا من هذه الصيغة منذ الاستقلال يتكون من أربع غرف، أتقاسمها مع أولادي وأحفادي بمجموع 18فردا، وعن الحلول الممكنة في رأيه، أضاف قائلا لقد راسلنا المسؤولين المحليين عديد المرات على مستوى البلدية والدائرة في شأن مساعدتنا في إطار الاستفادة من دعم السكنات الريفية لأجل التخلص من رائحة الجنرال ديغول التي لا تزال تنبعث من بين جدرانها الهشة، وذلك على أساس أن منطقة سيدي العكروت ذات طابع ريفي بنسبة100في المائة، وهذا بداية من تاريخ حصولنا نحن "13ساكنا" على عقود الملكية سنة1990، غير أن كل الوعود ذهبت أدراج الرياح ومازالت مأساتنا متواصلة في قر الشتاء وحر الصيف على وجه الخصوص، أما ابنه يوسف في العقد الرابع من عمره فقد أصر على مرافقته لمنزله الهش كذلك، وحسب ملاحظتنا فإنه يتكون من غرفة لا تتعدى مساحتها 30م2 يجتمع بها ستة أفراد أثناء تناول الوجبات الغذائية والنوم، ومطبخ يساوي ربع الغرفة من حيث المساحة على وجه التقريب، محدثنا سبق له وأن لعب ضمن فريق شباب بني سليمان ما قبل الشرفي، وأنه الآن ضمن شريحة البطالين "يمارس بيع الخضر بسوق بني سليمان"ما جعله يؤكد أن الأموات أحسن حالا من الأحياء رغم فوضى الدفن بمقبرة سيدي عبد السلام المحاذية لهذا الحي المنسي سكانه على طول الخط· توجد " 12حصة "من صيغة الغرفة الواحدة بالحي المسمى جديدا من إجمالي قرابة 38 مسكنا تم توزيعه سنة 1990ببلدية بني سليمان، وبطريقة عشوائية أمام ضغط الجماعات المسلحة بالمناطق الريفية، خصوصا وأن قاطنيها لا يحوزون على أية وثيقة تثبت ملكيتهم لها رغم الالتماسات والشكاوي المرسلة للسلطات المحلية منذ توزيعها حسب وعناني عمار ذو السبعة أفراد، الشيء الذي أجبر القاطنين على بناء أكواخا قوامها القصدير والزنك لإيواء مواشيهم والفائض من أفراد العائلة الواحدة وهذا على حساب أراضي المجموعة جهة الشمال، كحال العوفي سالمي بن يوسف البالغ من العمر 77سنة لأن غرفته الوحيدة أصبحت لا تتسع ل12فردا ونعاجه التي يعتبرها المصدر الوحيد لعيشه، وعن أصل السكنات المشيدة عام1960 أكد بأنها ليست للحركة بل للمعدمين، حيث كان "لاصاص" يبعث برجاله المختصين في الدعاية عبر الأسواق والمساحات العمومية لإقناع الذين أصبحوا بلا مأوى بفعل إقدام العدو الفرنسي على إحراق وتخريب مساكنهم، بإمكانية الإقامة بها وبالمجان لصرفهم عن الثورة، أما الحركة أضاف في السياق ذاته فقد شيدت مساكنهم الطوبية بالخط الدفاعي عن مجموعة الدرك الفرنسي، وأنه لازال يتذكر يوم تبادل النظر مع أحد الحركة لا يزال على قيد الحياة، وبفمه سيجارة من نوع"باسطوس" ونحن في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم، وإني أضاف أستعيد ذاك الشريط كلما شاهدت هذا الحركي بمدينة بني سليمان ومن بعيد فقط، وفي سياق حديثه أشار إلى حادثة إقبال مجموعة مجاهدي منطقة بني سليمان ذات ليلة من عام 1958 على اقتحام زريبة المعمر وأخذ كل نعاجه، وفي صبيحة اليوم الموالي جاءت فرقة من الجيش الفرنسي لعين المكان ولما حاول ضابطها مساءلة سكان الحوش عن الحادثة، قال له المعمر هؤلاء ليس لهم أي ذنب في القضية، رغم أن أحدهم هو الذي ساعد الثوار في تنفيذ العملية ختمها محدثنا· وما يدعو إلى الدهشة فعلا تواجد عائلات تقطن بدكاكين مقابلة للطريق الوطني رقم 18الرابط بين بني سليمان وبلدية بوسكن، كعائلة العروي حسين الذي اضطر حسبه إلى تأجير دكان لأحد الخواص بمبلغ 3000د·ج للشهر، مساحته لا تتعدى 16مترا مربعا ولمدة فاقت الست سنوات، إضافة إلى عائلتين أخريتين، وعن كيفية قضاء حاجاتهم البيولوجية قال وكله أسى بطرق مختلفة في مقدمتها الأكياس البلاستيكية، وبالمختصر المفيد فإن رغم أن هذا الحي أصبح يتوفر على مسجد وملعب جواري ومدرسة ابتدائية، فإنه يفتقر -إضافة إلى المشاكل السالفة-إلى التهيئة الحضرية لشوارعه خاصة بالنسبة للطريق الواصل بين الطريق الوطني رقم 18 والمقبرة·