شبكات إجرامية منظمة تقودهم نحو المجهول حراقة يسردون شهادات حية عن رحلة الموت رغم المخاطر والآلام يظل إصرار المئات من الشباب في الجزائر على الهجرة والعبور للضفة الأخرى مستمرا بحثا عن مستقبل أفضل بعد أن سُدّت جل الأبواب في وجوههم ونال منهم الحظ التعيس في بلدهم منهم من حقق أمنيته وفتحت له أوروبا ذراعيها وأكمل الرحلة لتحقيق الأحلام الوردية ومنهم من انتهت رحلتهم وتصارعوا مع الأمواج ليكونوا في الأخير طعاما للأسماك وما تلفظه أمواج البحر من جثت أكبر دليل على المآسي التي يواجهها الحراقة . صبرينة بوستة اكتشفت الجزائر الهجرة غير الشرعية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي بالضبط في سواحل مغنية بمدينة تلمسان هناك بدأ التخطيط في كيفية ركوب الأمواج لتكون الوجهة إسبانيا وبمرور الوقت أصبحت أغلب الولايات الساحلية منطلقا لرحلات الحراقة وبدأت معها المحن والهموم على الشباب الحراقة وعائلاتهم ولم تعد حكراً على الجنس الذكوري فقط بل زحفت إلى الجنس الأنثوي وبتنا نرى عائلات بأكملها تطمح إلى الهروب للضفة الأخرى في رحلة تهددها المخاطر من كل جهة وهي من تنظيم شبكات إجرامية منظمة تروج للهجرة السرية أو الحرقة قصد الحصول على مبالغ مالية معتبرة بالمتاجرة في أرواح الناس في تلك المغامرات الخطيرة فغالباً ما تكون القوارب قديمة وغير مؤمّنة مما يؤدي إلى هلاك العشرات من الحراقة . المغادرة بأي وسيلة يقود حلم الجنة الموعودة في الضفة الشمالية للمتوسط إلى موت الكثيرين في عرض البحر على قارب قديم وأمام عدد كبير من قارورات المازوت يجلسون على حافة القارب اجتمعوا لهدف واحد أو بالأحرى لحلم واحد هو المغادرة بأي وسيلة. تقتضي الرحلة تعبئة مصادر للتمويل من استدانة وبيع أغراض شخصية وحتى إن وجدت ممتلكات خاصة هذا كله من أجل تحقيق الحلم وتقديم المبلغ المطلوب للشبكات المختصة في الهجرة التي تتاجر بالذمم والارواح بعدها يتحملون خطر ركوب الأمواج نحو مستقبل مجهول ليبقى أهاليهم يتجرعون مرارة الانتظار ليردهم خبر وصولهم أو غرقهم وانضمامهم إلى قائمة المفقودين. موجة من قوارب الموت تنطلق يوميا من السواحل الجزائرية نحو اسبانيا وايطاليا وغيرها من البلدان المجاورة أرقام صادمة من الصعب جدا الوصول إلى إحصائيات عن عدد الشباب الحراقة لأن بعض العائلات لا تشير إلى هجرة أبنائها لكونهم استخدموا طرق غير قانونية وحتى الدول الأوروبية التي تستقبل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين لم تعطي إحصائيات عن عددهم. حراقة يتحدثون.. سألنا بعض الشباب الذين حاولوا الحرقة وباءت محاولتهم بالفشل وكذا بعض أهالي الحراقة الذين يكتوون بنار فراق فلذات أكبادهم منذ سنين طويلة عن سبب اللجوء إلى الهجرة بقوارب الموت فأخبرنا مراد صاحب (30 سنة متحصل على شهادة ليسانس) أنه ركب بابور اللوح 3 مرات محاولا الوصول إلى أوروبا إلا أن محاولاته باءت بالفشل بحيث كان يتم القبض عليه وسجنه أو إرجاعه لوطنه و حراق آخر (صاحب 20 سنة بطال) ترك مقاعد الدراسة في سن مبكر من أجل البحث عن العمل والذي لم يحصل عليه أيضا فقرر أن يصبح بائع سجائر في الطريق أما الخالة زهرة (50 سنة أم لأربعة أولاد وبنتين) ابنها الأصغر صاحب 24 سنة ركب الأمواج قاصدا إيطاليا تقول: كان ابني يبحث عن العمل في كل مكان ولم يجد حتى فقد الأمل فقرّر الحرقة ولم أعلم بذلك حتى اتصل أحد رفاقه الذي كان معه في نفس القارب بإخبارنا انه تم القبض عليهم في السواحل التونسية وهاهي 11 سنة ولم نسمع عنهم أي خبر. الاهتمام بالشباب ضروري شباب ضائع في رحلة البحث عن الحلم الأوروبي.. تمر السنوات وتتغير الأساليب.. وما يلفت الانتباه هو دخول معطيات جديدة في ظاهرة الحرقة التي لم تقتصر على الشباب العاطلين فقط بل شملت المتعلمين والنساء والأطفال.. أمر يرجع سببه أساسا لتقلص مساحة الأمل وتضاؤل فرص العمل في البلد وظروف القهر والحرمان وانتشار المحسوبية والمحاباة فهي كلها ظروف وجب النظر إليها قبل لوم الحراقة ففرارهم وركوبهم أمواج الموت لم يأت من العدم بل توجد من ورائه العديد من الأسباب على غرار الظروف الاجتماعية المزرية وانعدام فرص العمل وأزمة السكن فمعايير العيش الكريم تغيب عند البعض مما دفعهم إلى التفكير في الهروب آملين تحقيق مبتغياتهم.. ولعل الشعار المتداول لدى الشباب الحراقة ياكلني الحوت وماياكلنيش الدود أبلغ تعبير عن الحالة المزرية والظروف الصعبة التي يحيا فيها الشباب سواء في المدن الكبيرة أو المناطق النائية والقرى والمداشر وبالتالي على الحكومة الجزائرية أن تولي الاهتمام اللازم لشريحة الشباب قصد تحسين ظروفه وإدراجه بمناصب عمل دائمة لحفظ الكرامة وتأمين العيش الكريم.