جمعية علماء الجزائر في بيان نُصح وتوجيه : أيها الجزائريون.. توّحدوا في مواجهة كورونا التعاون والتضامن واجب على الجميع والأغنياء مدعوون للوقوف مع وطنهم تفاقمت الأوضاع حيال تطور الإصابات بفيروس كورونا في الجزائر ومع تسجيل العشرات من حالات الوفيات والمئات من الإصابات مع إعلان الحجر الصحي ب11 ولاية تزايدت حالة الذعر والخوف من انتشاره على نطاق واسع لدى الجزائريين وفي إطار مواكبتها لأهم الأحداث أصدرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بياناً يحمل عنوان نُصح وتوجيه يحمل تصور أم الجمعيات لتداعيات الوباء وسبل التعامل معه مشدّدة على ضرورة التضامن والتعاون بين الجزائريين في مواجهة كورونا.. وذكّرت جمعية العلماء في البيان الذي تلقت أخبار اليوم نسخة منه بأن ما هو واقع من وباء وبلاء هو من أمر الله الذي لا يقع في ملكه إلا ما يريد والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره أحد أركان الايمان الستة قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر .سورة القمر الآية 49. وقال كذلك: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور سورة الحديد الآيتان 23 22 ومعلوم أن الانسان ممتحن بالشر والخير قال تعالى: ... وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ سورة الأنبياء الآية 35. وقال البيان: لا شك أن وباء كورونا الذي طوّق العالم على ما فيه من أذى وشر يحمل في ثناياه حِكما نستطيع أن ندرك بعضها بالتأمل والاستبصار قال تعالى: ... فاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ سورة الحجر الآية 2. وعليه ينبغي أن يكون هذا الوباء موقظا قويا يدعو الناس أفرادا وجماعات ودولا إلى مراجعة حساباتهم على جميع الأصعدة فالمؤمن في مثل هذه الظروف مدعو لتثبيت عقيدة الرضا والفرار إلى الله وهذا لا يمنع من الأخذ بأسباب التوقي من المرض فالإسلام دعوة إلى الحياة بشقيها المعنوي والمادي. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ... . سورة الأنفال الآية 24 وقال جل شأنه: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . سورة النساء الآية 29. والنفس هي إحدى الكليات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها. ومن القواعد التي نص عليها العلماء في بيانهم هذا أن التوكل على الأسباب وحدها شرك وأن تركها معصيه . ومع هذا فالمسلم غير ملوم إذا تسلل شيء من الخوف إلى نفسه فإن الانسان مجبول على حب العافية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه: سل الله العافية .رواه الترمذي. الهلع مُضّر بالنفس والبدن وأشار البيان أيضا إلى أن الهلع والخوف لا ينبغي أن يكون فهو مضر بالنفس والبدن يجعل صاحبه سلبيا في خضم الأزمة. وأمام هذا البلاء لا يسع العاصي إلا أن يتوب والمقصّرُ إلا أن يجتهد والتقيُّ إلا أن يزداد تُقى. ولو تأمل الحكام وذوو السلطان على اختلاف مللهم ونحلهم هذا الوباء وما صاحبه من شدة وفتنة ما حادوا عن العدل قيد أنملة. أما حكام المسلمين فهم مدعوون لتجاوز خلافاتهم اليوم قبل الغد ليجعلوا من أمة الإسلام أمة واحدة موحدة قوية عزيزة كما أرادها الله: إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ .سورة المومنون الآية 92 و في قلب الأزمة تتوجه الجمعية بالشكر للقائمين على الشأن الوطني على ما يبذلونه من جهود مباركة أخذا بالأسباب المفضية إلى برّ الأمان إن شاء الله وتدعوهم إلى مضاعفة هذه الجهود سائله الله لهم الإعانة والتوفيق. هذه رسالة الجمعية للأغنياء وحمل البيان دعوة الجمعية للشعب بصفته الركن الأساس في الدولة إلى مدّ يد العون قياما بواجبه الوطني. كما حيّت الجمعية الأعمال التعاونية والحملات التطوعية التي يقوم بها الشباب خاصة وتدعوهم إلى التنسيق مع الجهات المختصة لأن التخطيط والتنظيم سبب من أسباب نجاح الأعمال قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَي اَلْبِرِّ وَالتَّقْويٰ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَي اَلِاثْمِ وَالْعُدْوَٰنِ .سورة المائدة الآية 3. - إن الجزائريين الذين عُرفوا دائما بالتضامن ولم يكونوا أبدا فردانيين لابد أن يبرهنوا اليوم وبقوة عن هذه الروح الإنسانية التي هي من صميم دينهم فالحَجر بأنواعه له تأثيراته الاجتماعية السلبية على الطبقة الضعيفة ولا يجوز أن يوكل هؤلاء إلى أنفسهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الاشعريين كانوا إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعامهم جمعوا ما عندهم ثم اقتسموه بالسوية فهم مني وأنا منهم .متفق عليه فالتكفل بهذه الطبقة ليس واجبا على السلطة وحدها ولكنه واجب كذلك على المجتمع قال عليه الصلاة والسلام: ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه . رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس وإن الجمعية لتنبّه أن الوضع الاقتصادي غير المريح الذي تمر به بلادنا والذي زاده هشاشةً انْخفاض سعر البترول الناتج عن هذا الوباء العالمي هو أزمه أخرى تضاف إلى الأزمة الوبائية. وأمام هذا الوضع يجب على الأغنياء أن يبرهنوا عمليا عن صدق انتمائهم إلى وطنهم لتجاوز هذه الأزمة بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. ففي مثل هذه الأوضاع المتأزمة يكون التعاون والتضامن واجبا على الجميع وما الحاكم إلا واحد منهم ينوب عنهم وأنهم مطالبون بالتعاون معه لتحقيق الصالح العام. وللعلم فإن لنا في تراثنا الإسلامي سبقا في إدارة الأزمات فهناك من فقهاء الأمة من جمعوا بين فقه النصوص وفقه السنن وأنتجوا للأزمات فقها خاصا ومن كلام الإمام الجويني في هذا الباب: فإذا أجاز الفقهاء بذل الدماء فبذل المال من باب أولى... إلى أن يقول: إذا كانت الدماء تسيل على حدود الضُبات (حدود السيوف) فالأموال في هذا المقام من المُسْتَحْقَرَاتِ . التجار صنفان.. وقالت الجمعية بأنها بقدر ما تشكر كثيرا من التجار على صدقهم وأمانتهم تُعْرِبُ عن أسفها البالغ عما فعله آخرون حيث استغلوا الظرف لرفع الأسعار وغبن إخوانهم وهو سلوك يمقته الدين وتعافه الطباع السليمة وترفضه الإنسانية. فليعلم هؤلاء هداهم الله أن المحتكر ملعون وأن الغلاء شر يستعاذ بالله منه. وكيف بمن يتسبب به تدعو الجمعية إلى التعجيل بالتوبة والمبادرة بالتكفير عما صنعوا ونذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .رواه البخاري ومسلم إن الجمعية تنبه إلى أن فتاوى النوازل ليست فروعا فقهية تنقل إنما هي إسقاط للحكم على نازلة بعينها وهذا لا يحسنه إلا النخبة من العلماء لأن وسائله كثيرة ومتنوعة إلى جانب ملكات يؤتيها الله من يشاء من عباده. احذروا الإشاعات وحذرت الجمعية في بيانها من الشائعات لأنها مصدر للفتنه وسبب في تفريق صف الأمة وتنبه من يتلقى كل كلام بالقبول ويذيعه إلى أنه سيبوء بإثم كل ما ينجرُّ عن ذلك من شر فالله تعالى يقول: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا .سورة الإسراء الأية 36 وليعلم المتساهلون في تلقّي الكلام وإذاعته أنه في بعض الأحيان يُحْظَرُ إفشاء الكلام وهو حق محض فكيف بالكلام المرسل الذي لا يُعْلَمُ صدقه من كذبه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع . رواه مسلم تحذير.. ودعوة إلى حسن استثمار الوقت كما حمل البيان تحذير الجمعية من النقد السلبي الذي يمارسه بعض الناس وهو نقد يهدم ولا يبني بما يحدث من تمزيق للصف وإضعاف له في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى الاجتماع والتكاتف. فإذا كان ولابد فالنقد لا يكون بنّاء إلا إذا مارسه من يُحسنه ويُحسن تقدير زمانه وتقدير نتائجه. -و تنبه إلى أن حديث الناس في الشأن الطبي المتعلق بالوباء والدخول في التفاصيل والجزئيات تشويش يضر ولا ينفع والعقل والشرع متفقان على أن كل اختصاص موْكول إلى أهله قال عليه الصلاة والسلام: من تطبَّبَ ولم يُعلم منه طب فهو ضامن رواه ابو داود والنسائي. وحمل البيان اقتراح الجمعية لإعانة المواطنين والمواطنات على حسن استثمار الوقت في أيام الحجر تدعو الجمعية وسائل الإعلام إلى تكييف برامجها بحيث تكون هادفة ومتنوّعة ومناسبة للظرف. فإن التوعية بخطورة الوباء والدعوة إلى التَّوَقِّي منه لا تمنع من بث المبشرات إحياء للأمل في النفوس وذلك من الهدي النبوي حتى في أحلك الظروف فقد حكى القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لأبي بكر وهما في الغار: ... إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ... .سورة التوبة 40 فعلى الجهات المسؤولة ووسائل الإعلام أن تأخذ هذا بعين الاعتبار. وفي آخر البيان رجت الجمعية من كل المواطنين رجالا ونساء أن يتوجهوا إلى الله خاشعين متذللين يسألونه وكلهم ثقة بالإجابة أن يكشف هذا العذاب وأن يُفرّج هذا الكرب عن المسلمين خاصة وعن الناس عامة فرحمة الإسلام في الدنيا يصيب منها المسلم وغير المسلم مصداقا لقوله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .سورة الأنبياء 107 وختمت أم الجمعيات بيانها بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول: اللهم إنا نعوذ بك من البرَص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام . رواه أبو داود عن أنس.