الأئمة والخطباء أشد الناس فرحًا هنيئاً للساجد بفتح المساجد.. عادت حيّ على الصلاة لتشنف الآذان وتزرع البهجة في قلوب حمائم بيوت الرحمن.. فحمداً لله كثيراً على فضله ورحمته بعباده وعودة المصلين إلى بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيه اسمه.. وكيف لا يفرح المسلم بإعادة فتحها إنها فرحة لا تعادلها أيّ فرحة أخرى فرحة تشعره بالأمان وراحة النفس بتأدية فريضة الله في بيت الله.. صدع المؤذّن للصلاة فهاجني .. صوتٌ إلى بيت الكريم يجيبُ وتسارعت دقات قلب خافق .. إذ حان من لقيا الحبيب نصيبُ لأنه يعلم أنه إذا تحرك إلى المسجد يبدأ العدَّاد في العمل والحرس من حوله - أيُّ عدّاد - إنه عدَّاد الحسنات فالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ ثُمَّ مَضى إلى بيْت مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ كانَتْ خُطُواتُهُ إِحْدَاها تَحُطُّ خَطِيئَةً والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً . رواه مسلم وإن كان هذا في وقتِ صاحبه غصّة تزامنت مع تشديد الإجراءات الوقائية الصارمة من احترام التباعد وارتداء الكمامة وجلب السجادة واستثناء صلاة الجمعة في المرحلة الأولى والإبقاء على منع دخول النساء والأطفال الأقل من 15 سنة والأشخاص الأكثر عرضة للخطر حفاظا على صحتهم وسلامتهم.. ولكن ما يعزّينا أن الالتزام بهذه الإجراءات الوقائية التي فرضتها جائحة كورونا لأداء الصلوات في السجد هي -أيضا- عبادة.. فلتتسابق قلوب الطامعين في الثواب قبل خطواتهم.. وإذا كان ذلك كذلك فإنه يجب على قاصد المسجد أن يتحلَّى بأشرف الصفات وأحسن الخصال وأن يتعلَّم أحكام حضورِ المساجد تأدّبا مع الله تعالى واحتراما للبقعة ومراعاة لإخوانه المصلِّين. فالمصلون شركاء في المسؤولية بالحفاظ على صحة الجميع وعدم المساهمة بنشر الوباء بأي شكل من الأشكال أو سبباً بالإخلال بالنظام العام فالمصلي يجب أن يكون قدوة حسنة لغيره في الإنضباط وضبط النفس والبعد عن الجدال والتزاحم على المكان. وإن كان جميع المسلمين قد فرحوا بفتح المساجد وعودتهم إليها فإن أشد الناس فرحًا بذلك هم الأئمة والخطباء ويزيد فرحهم يوم صعودهم على منابرهم في أول خطبة وأول جمعة لهم بعد رفع الحجر كليا.. إن ذلك يوم عيد يوم كلقاء الحبيب بالحبيب بهجة وحبور وسعادة وسرور وعيون تدمع من الفرح وصدور تنشرح من المرح... فما أجمل العطاء بعد المنع! وما ألذ الرشف بعد الحرمان! آن للأرواح أن تجدّد مسارها لمواصلة السير في عمارة الكون بطاعة الله وعبادته وعمارة المساجد حسا ومعنى والإستمرار في البناء والعطاء.. وعلينا جميعا أن نعلم أن دوام هذه النعمة نعمة فتح المساجد مشروط بشرط أن نشكرها ولا نكفرها ويكون شكرها بأن نحسن فيها العبادة والإخلاص ونكثر من التبتل إلى الله ليبارك لنا فيها ولا ينزعها منا مرة أخرى.. ولنستمرّ على ما استفدناه خلال هذه جائحة والأهم هو ما يفيدنا في ديننا وآخرتنا وأن هذه الدنيا فانية والآخرة هي دار القرار وموعدنا الجنة بإذن الله. نسأل الله بشائر خير ورسائل فرح وسرور بسماع خبر انحسار هذا الداء وزوال هذا الوباء عن بلاد المسلمين أجمعين.. ونعوذ به سبحانه من زوال نعمته وتحول عافيته وفجأة نقمته وجميع سخطه.. وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..