مراصد إعداد:جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد آراءً حول أهمية التعليم في التقدم الحضاري تطوير المناهج واعتماد المدارس الرقمية.. مساران نحو النهضة التعليم أساس كل نهضة علمية وفكرية وثقافية وحضارية وتكنولوجية وصحية وغيرها.. سألنا أساتذة عن أهمية التعليم في بناء المجتمعات والدول وأفضل المناهج المثمرة في العالم وعن إمكانية استثمار البلدان السائرة في طريق النمو في قطاع التعليم من أجل التقدم والازدهار. الجزء الثاني الأستاذ عيسى دهنون: تطوير التعليم وإعطاؤه الأولوية والأهمية تخطيطا وإنشاء ودعما سبيل التقدم الحضاري إنّ التعليم أساس كلّ نهضة علميّة وتكنولوجية أو فكريّة وثقافيّة أو اجتماعية أو صحيّة أو معمارية أو غيرها... وهذا العلم لا يكون إلا بالتعلّم الذي لا يتأتّى إلا عبر مؤسسّات التربية والتعليم بكلّ المستويات والأطوار التعليمية من الروضة حتّى الجامعة ولن يأتي التعليم أكُله إلّا بتوافر شروط متضافرة من شأنها أن ترتقي بالأداء التعلُّمي التعليمي داخل المؤسّسات وخارجها وأوّلها المنهاج التعليمي بكلّ مكوناته وروافده. ما أهمّية التعليم في بناء المجتمعات والدوّل؟ بالرجوع إلى غاية وجود الإنسان على وجه هذه المعمورة نجدها – كما حدّدها المولى تبارك وتعالى في القرآن الكريم – متمثّلة في الاستخلاف في الأرض وعمارتها قال تعالى: (إنّي جاعل في الأرض خليفة) وهذا الأمر لا يكون إلا بعلم ومعرفة بكيفية الإعمار ولا شكّ أنّ التعليم هو الطريق الأوحد والأمثل لبلوغ تلك الغاية لأنّه (أي العلم) يفتح عقل الإنسان على حقيقة الكون ومتطلباته ونواميسه وقواعده التي لا يمكن أن يتطوّر إلا من خلالها فإن جهلها الإنسان فلن يستطيع تقديم أيّ شيء لها لذلك اهتمّت المجتمعات الإنسانية والدوّل بالتعليم بمختلف أطواره وعلى مرّ العصور.. ولكن على قدر ما أعطته تلك الدول والمجتمعات ما يستحقّ من الأولوية والاهتمام والدعم والتمويل كان تقدّمها وازدهارها وعلى الدوّل التي ترغب في التطوّر والرقيّ الحضاري أن تدرك هذا الأمر جيّدا وتستثمر في الإنسان قبل ما سواه ولن يكون هذا إلا بتطوير التعليم وإعطائه الأولوية الأولى والأهمّية البالغة في كلّ السياسات تخطيطا وإنشاء ودعما. وهياكل ومرافق ووسائل وموارد بشرية وتكوينا وتأهيلا ثمّ تمويلا ومتابعة. ما أفضل المناهج المثمرة في العالم؟ الأمر لا يدعو إلى كثير من البحث بقدر ما يدعو إلى الملاحظة فنظرة متأمّله فاحصة لخارطة العالم ومقارنة بسيطة لسرعة ونسبة النموّ والتطوّر لمختلف البلدان يمكنها أن تحدّد أو على الأقلّ تشير إلى أيّ المناهج التعليمية أكثر فاعلية عبر العالم ومن ثمّة يمكننا على سبيل المثال لا الحصر أن نعدّد بعض المناهج التعليمية المثمرة أكثر من غيرها كما يلي: هناك مناهج تعليمية لدول متقدّة أصلا مثل: كنداوفنلندا وألمانيا وبريطانيا.. وهناك مناهج تعليمية لدوّل كانت إلى عهد قريب تحسب على العالم المتأخّر أو السائر في طريق النموّ حيث عانت من الأميّة وتدهور الاقتصاد أو الاستدمار.. ومنها مثلا: إندونيسيا سنغافورةماليزيافنلنداتركياكوريا الجنوبيةالصين.. وجميع هذه الدول تشترك في أنّها وضعت التعليم في مقدّمة اهتماماتها فكانت سياساتها المتعاقبة تركّز بشكل مباشر على المناهج التعليمية وكيفية تطويرها وترقيتها فكانت – بذلك – وتيرة نموّها –لا سيما اقتصاديا- وتيرة متسارعة جدّا. كيف يمكن للبلدان السائرة في طريق النمو الاستثمار في قطاع التعليم من أجل التقدم والازدهار؟ هذا السؤال يحمل جوابه فما على الدوّل السائرة في طريق النموّ إلا الاستثمار في التعليم حتّى ترتقي باقتصادها وتعتمد على نفسها فتزدهر وتزهر مجتمعاتها ومن ثمّ تتحرّر من التبعية لغيرها من دوّل العالم المتطوّر تدريجيا. ولن يكون الأمر ذا جدوى إلا من خلال تطوير المناهج التعليمية -أوّلا- من حيث المقاربات والبرامج والوسائل.. ثمّ تطوير المؤسّسات التعليمية من حيث الهياكل والمرافق كمّا وكيفا مع تطوير المستخدمين من أساتذة ومشرفين وإداريين ومرافقين ومهنيين من حيث الانتقاء والتأهيل التكوين والتحفيز والتكفّل المادّي والمعنوي. - مع ملاحظة أنّه يجب لكلّ دولة ما يليق لها من مناهج خاصّة بها حسب ظروفها الطبيعية والتاريخية والاجتماعية وحسب غاياتها الخاصة. - كما لا يمكن إغفال دور الروافد المساعدة على كفاءة المنهاج مثل الأسرة والمسجد ووسائل الإعلام. - إذا ما على الدوّل التي تريد النموّ لاقتصادها والازدهار لشعبها إلّا أن تطوّر تعليمها اليوم وسوف تجني ثماره بعد أقّل من جيل من الزمن فطفل التربية التحضيرية سنة 2021 هو المهندس والطبيب والأستاذ والقاضي.. وهو السياسي والوزير والسفير والرئيس.. عام 2050. الأستاذة إيمان حدو: التعليم الحديث يعتمد البرمجة الخاصة بالحواسيب يعرف العلم بكونه المنظومة المتكاملة والمتناسقة من المعارف التي تعتمد في تحصيلها على المناهج العلمية المختلفة بهدف علاج ظاهرة معينة..بالعلم تبنى الأمم وبالجهل تتخلف وتضمحل بالعلم نور والجهل ظلام.. ونظرًا لأهميته في حياة الفرد والمجتمع فقد اقترن ظهور الإسلام بالدعوة إلى العلم والتعلم منذ بداية التنزيل لقوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَق (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(6) (العلق: 1-6) لتكون بذلك أول آية نزلت على الحبيب المصطفى تدعو إلى العلم.. وبالتالي فإن الإسلام اهتم بالعلم والتعليم وكان من أولوياته وتبين ذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚوَمَنْيُؤْتَالْحِكْمَةَفَقَدْأُوتِيَخَيْرًاكَثِيرًاۗوَمَايَذَّكَّرُإِلَّاأُولُوالْأَلْبَابِ (البقرة 269) وقوله سبحانه وتعالى أيضًا: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ (آل عمران 18) وقوله تعالى في سورة طه: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه 114). ووضح خير خلق الله صلى الله عليه وسلم فضل العلم وفضل طالبه في قوله: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا [ص:49] سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظّ وَافِر وتتعدد فوائد التعليم لما له من أهمية بالغة في بناء الفرد والمجتمعات والأمم فهو كاشف الظلام وسلاح الفرد في المجتمع إذ يعد العلم أحد أعمدة بناء المجتمعات والأمم والركيزة الأساسية في تطورها فإذا به يساهم في نهضة الأمم وازدهارها وتقدمها وتطورها كونه من يمنحها التقدم والتطور في شتى المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية مع مواكبة كل ما يستجد من تطورات لتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة للأفراد والأسر والمجتمعات والأمم. ممّا يساهم في الخلاص من براثن الجهل والفقر والتخلف والرجعية وغيرها من الأمور التي تعرقل نهوض الأمم مع القضاء عليها ومحاربة كل العادات السيئة والأفكار الرجعية فمساهمته في غرس القيم والمبادئ في الإنسان منذ نعومة أظفاره. والأهم أنّ بالتعليم يتم إنشاء وبناء أجيال وأفراد قادرة على التغيير والتقدم والنجاح والنهوض في شتى المجالات من خلال السيطرة على جميع مجالات الحياة ليجعل المجتمع ذات قوة وصلابة في كامل أركانه ومن الصعب انهياره كونه بني على أسس علمية. ولا ينسى أي إنسان أن البحث العلمي هو محرك النمو الاقتصادي والاجتماعي ليصبح المستوى العلمي هو مقياس تطور أي مجتمع بالعلم والمعرفة يمكن للإنسان رؤية العالم بعيون مستبصرةمع الاستفادة من الوقت في الحياة ليصبح العلم لوحده من يصنع الحياة الراقية كونه يغير مظاهر الأشياء للأفضل والأجمل وكونه أيضًا سبيلا من سبل النجاة والخلاص من المأزق الحضاري الذي تتردى فيه أمة من الأمم بعدما شهدت تطرًا ورقيًا وازدهارًا. بالإضافة إلى أنّ التعليم يعتبر عمود بناء الحضارات فيلعب دورًا فعالًا في توثيق تاريخ الأمم وثقافات الشعوب ليحميها من الاندثار فيؤطر شخصية المجتمع الاجتماعية والفرد في آن واحد. وتعد حاليًا المناهج العلمية في بعض دول شرق آسيا هي أكثر وأفضل المناهج المثمرة في العالم. فيوجد فيها مثلًا دول تمشي بنظام 2.2.6 ومعناه أنّ الطالب يدرس 6سنوات في المرحلة الابتدائية وسنتين كفترة متوسطة لتأخذ المرحلة الثانوية في سنتين فقط وهذا ما اختارته دولة سنغافورة حيث يقوم نظام التعليم هناك على أساس وجود فرص عمل متساوية لكل الأفراد اللذين يعيشون بها مع قيام الحكومة في سنغافورة بوضع صندوق فيه ميزانية أربعة ملايير دولار لكي يتم منح الطلاب أموال يستطيعون بها تنفيذ ما في أذهانهم من مشاريع ولم تكتف الحكومة بهذا بل جعلت منظومتها التعليمية مميزة جدًا بتمتع المعلم بعلاوات ضخمة لكيلا يتجه إلى الدروس الخصوصية مع فرض عقوبة على كل أسرة لا تقوم بإدخال أبنائها في التعليم تتضمن السجن والغرامة.. أمّا دولة هونك كونج فتنقسم فيها المرحلة الابتدائية إلى قسمين: المرحلة الأولى غير الزامية وهي ثلاث سنوات تمهيدية لتأتي المرحلة الابتدائية وتأخذ ستة أعوام وبعدها المرحلة المتوسطة التي تأخذ ثلاث سنوات وكذلك الثانوية وبعد الثانوية يأخذ الطالب دراسة مدة عامين وهي مرحلة اختبارية يتم منح الطالب بعدها الشهادة المعتمدة من هونج كونج والأهم أنه لا يتم القبول في الجامعات كل عام إلا لعدد قليل من الطلبة خاصة في تخصصات مثل الطب الذي يكتفي بقبول طالبين فقط. أي أنّ هذه الدولة تمشي بنظام 3.3.6 وهو النظام نفسه الذي اختارته كوريا الجنوبية بمعنى ستة أعوام في الابتدائية وثلاثة أعوام للإعدادية وثلاثة للثانوية ويمتاز النظام الكوري بالصرامة في التعليم حيث أنّ ما يقضيه الطلبة الكوريون في المدارس حوالي 1020 ساعة سنويًا أي بمقدار 15ساعة باليوم مدة خمسة أيام بالأسبوع لتكون أعلى نسبة بالعالم وقد قدرت الميزانية التي وضعتها الحكومة الكورية خدمة للمنظومة التعليمية بتسعة وعشرين مليار دولار ليبلغ الراتب السنوي للمعلم هناك أربعة ملايين دولار. واختارت اليابان أيضًا أن تأخذ النظام ذاته (3.3.6) أمّا التعليم عندهم فيعتمد على العمل الجماعي وحل المشكلات بدلًا من التعليم المباشر فيعتمد تركيزهم على دراسة الرياضيات والعلوم والاقتصاد وبعض حرف الصناعة. ويتميز النظام التعليمي في اليابان بطول مدته إذ يبدأ في واحد أبريل وينتهي في آخر شهر مارس من العام الذي يليه. أمّا في أوروبا فإنّ دولة فنلندا فتشتهر بعدم احتوائها على أنظمة ربط وبالتالي فقد اختارت طريقة جديدة للتدريس مع ترك بعض المدارس تقوم بالطرق التقليدية القديمة إلى أن يعتاد الطلبة على النظام الجديد ويتضمن هذا النظام تدريس الطلبة في المقاهي وخاصة عند تعلم لغة جديدة لأنه بهذه الطريقة يكتسب الطلاب معرفة أكثر بالمحادثة وعندما يصل الطالب عندهم إلى سن السادسة عشر يقوم بنفسه باختيار ظاهرة أو موضوع ينطلق به إلى حياته المستقبلية كما أنّه يساهم في حل المشكلات. وفي الميدان عينه نجد دولة استونيا التي تعد دولة جد متطورة في التعليم حيث يعتمد التعليم هناك على تلقين الطفل الذي يبلغ سبعة أعوام البرمجة الخاصة بالحواسيب والمدارس هناك رقمية وكل شيء في هذه الدولة يعمل بالنظام الرقمي وبالتالي فهي رقمية من الدرجة الأولى. أمّا دولة سويسرا فإنّ العمر المسموح به عندهم لبداية التعليم هو ستة أعوام وبعد المرحلة الابتدائية يختار الطفل ما يريد حسب قدرته ورغبته والمدارس هناك تنقسم إلى نوعين تطبيقي ونظري يختار بينهم الطالب وأعلى شهادة في الماتورا وهي الشهادة التي تسمح للطالب بالدخول إلى الجامعة. وبالانتقال إلى أمريكا نجد أن منهج كندا هو الأحسن والأفضل وهذا حسب الدراسات والتصنيفات الدولية فدولة كندا لا توجد فيها وزارة للتعليم والوزارات بها تتنوع لتشمل كل إقليم والحكومة تقوم بتمويل نظام التعليم من المرحلة الخاصة بالروضة إلى الثانوية ومعظم السكان في كندا حاصلون على الثانوية وهذا أهم من التعليم الجامعي الذي من الممكن أن يكون ليس له فائدة في المجتمع. وفيما يخص البلدان السائرة في طريق النمو فيتوجب عليها الاستثمار في قطاع التعليم من أجل التقدم والازدهار وهذا بإعطاء مكانة عالية للتعليم وجعله شغلهم الشاغل وللقيام بذلك يلزمهم توفير أكبر ميزانيات الحكومة للتعليم مع وضع الكفاءات المناسبة في المكان المناسب (هيئة التدريس) بالإضافة لتوفير المناخ التعليمي الذي يعتمد على توفير الباحثين والأدوات للعملية التعليمية وهذا كله من أجل تطوير المؤسسات والأدوات التعليمية. ويلزم حكومات هذه البلدان سن قوانين صارمة تخص التعليم كمعاقبة الأهل الذين لا يدخلون أبناءهم لتلقي التعليم. ولا يتناسى أن للاستثمار في التعليم مردودا من حيث ارتفاع الأجور وعلاوة على ذلك يحسن الجودة ويحصل التمييز وتوسيع نطاق الفرص.